اصطفافا وطنيا وإلا فالكارثة
د. عبدالخالق هادي طواف
د. عبدالخالق هادي طواف

لا يملك المتابع للشأن اليمني إلا أن يدعو لليمن بالخير والخروج من أزمته, ورغم أن البعض يحلو له أن يرجع أزمات اليمن إلى الخارج من خلال التدخلات والتأثيرات التي يمارسها هذا الطرف الدولي أو ذاك, ولكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق أبناء البيت الواحد الذين يعجزون عن حل مشكلاتهم, فيمدون أنظارهم نحو الخارج التماسا لتأييد أو تصريح أو كلمة تخرج من فم متحدث باسم الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض أو الاتحاد الأوروبي أو حتى الجامعة العربية. ورغم إن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مدح أجدادنا بأنهم أرق قلوبا وألين أفئدة, فقد أصبحت قلوب الأحفاد غليظة وأفئدتهم سوداء, فهل من الطبيعي أن اليمن غارق في مشاكله السياسية والأمنية والاقتصادية, فيما أبناؤه لاهيين بالمناكفات السياسية والتصريحات النارية؟, وهل من الطبيعي أن الحزب الحاكم صار يشكو عدم قبول أحزاب المعارضة لمحاورته؟

ماذا ننتظر من الخارج حتى يحترم الأخ أخيه ويجنح للسلم والحوار والتعايش السلمي بدلاً من التهديدات بتجييش الشعب وخرق السلم الاجتماعي والاعتصام والتحريض على وحدة اليمن من خلال تسويق مواقف الانفصاليين الذين لم يرغبوا في الوحدة من أول يوم, وتسويق وتبرير قتل الحوثيين للمواطنين بأنهم مظلومين, ألا يفكر المشترك في احتمال وصول أحزابه للسلطة؟ وعندها ما هي الإجراءات التي يمكن لها أن تزيل آثار التحريض وتشويه وعي المواطن؟ وكيف سينجحوا في اكتساب ثقة الشعب؟ وهي ذات الثقة التي يعملون ليل نهار على أن يسلبوها من الحزب الحاكم القادم للحكم من خلال الصناديق وبطاقات الاقتراع.

ألا يمكن لليمن أن يكون حاضراً في مواقفهم التي صارت تفرق ولا توحد, وتضر ولا تنفع, وتصنع الكره وتتجاهل المحبة والإيثار, وتتمنى لليمن المصائب والرزايا حتى تسارع باتهام الحزب الحاكم بالتقصير, والفساد وغياب السياسيات الممنهجة؟, وكيف يمكن أن يكون اليمن حاضراً في مواقفهم وهم شلة اجتمعوا على الانتقام من على عبد الله صالح فقط لأنه أقصى بعضهم عن الحكم وهمش البعض وحرم البعض الآخر من مصالح تجارية أو إقطاعية, هل يعد تأييدهم للحوثيين وأمنياتهم بعدم تمكن الجيش من الحسم يعد انتقاماً من على عبدالله صالح أم من الشعب اليمني؟ لماذا لا يتابعوا قناة اليمن الفضائية بدلا من الأكشن حتى يروا مصائب النازحين ومصائبهم, أم أن قلوبهم قد تحجرت وهم يرون المخيمات صارت تشبه مخيمات إخواننا اللاجئين الصوماليين, وبدلاً من الدعوات إلى وقف الحرب التي تم إيقافها من قبل مرات خمس دون جدوى, والتي لن تقف إلا بردع عصابات التمرد والتخلف, فإنه يجب عليهم تأييد الحسم العسكري وعدم التخندق وراء عبارات فضفاضة عن سفك الدم اليمني والجنوح للسلم, فيما قيادات هذه الأحزاب تحمل خلفيات فكرية مستبدة, وبسبب التواني عن الانضمام إلى صفوف المؤيدين للشعب ومؤسسته العسكرية فقد استمر سفك الدم اليمني.

الحزب الحاكم حزب كبير ومؤسساته تعاني من البيروقراطية كأي مؤسسة من مؤسسات الوطن, وفي هذا المؤسسة الضخمة لا شك أن هناك أناساً يعيثون فساداً, ولا يريدون للأمور أن تستقيم والخلافات تخبو حتى تستمر مصالحهم دون انقطاع, ولكن أحزاب اللقاء المشترك تريد أن تحمل الحزب الحاكم ما دام يحكم كامل المسؤولية عن أي ممارسات غير سوية, وهذا أمر غير منطقي لان الحزب الحاكم لا يمارس الحكم منفرداً في الواقع, كما إن القول بأن الحزب الحاكم يتحمل كل ما يحدث في اليمن ما دام هو الحاكم أمر مردود عليه, وليس منطقياً ويعطي هذا القول فكرة عن أسلوب المعارضة في الحكم فيما لو وصلوا إلى سدة الحكم في أن يسلبوا الناس وظائفهم ويتحملوا "كامل السلطة", كما أنه في هذه الحالة لا يمكنهم انتقاد الحكومة وهم داخلها. فالمعارضة في جميع مفاصل الدولة وتستطيع تحمل مسؤولياتها في تقويم ما يروه من اعوجاج. ولكن الواقع يحكي غير ذلك فهناك الكثير منهم يرون خللاً ما فيسكتوا وينتظروا حتى يصعب التراجع عنه وعندها يستغلونه بكل سرور في تشويه صورة الحزب الحاكم أمام شعبه, فهلا تذكروا إنهم جزء من المشكلة وإنهم حباً باليمن كانوا يستطيعون حل كثير من الإشكالات بدلاً من تعقيدها, وقد سمعت من أحد قادة هذه الأحزاب أنه يرتقب حرب الحوثي ويحس براحة غامرة عندما يسمع عن جنود استشهدوا أو مواقع تم الانسحاب عنها أو طائرة تسقط, وهذا ينبئ عن أصل المشكلة وكنهها وهي انعدام حب الوطن في النفوس وحلول حب الذات.

إن الولاء الوطني يتناقض مع تغليب المصلحة الخاصة على العامة, ويتناقض مع تأييد الحركات الانفصالية كما يتناقض مع تأييد عصابات الحوثة, فكيف بالله عليكم ينسجم قول القائل بحبه لليمن فيما هو يحس بالفرح والسرور عندما يشاهد مصائب الشعب في صعده ومصائب أسر الشهداء, وكيف بالله يمكن أن نصدق من يقول أنه يحب اليمن فيما هو "يتفهم" رغبة البعض في الانفصال عن اليمن.

إن الطعن في الولاء الوطني يشبه في نظري الطعن في الأنساب وكله حرام, ولكن ألا تشكل حالة المعارضة موقفاً غريباً ومتناقضاً؟, كيف يمكن أن يقنعني أحد أن عدم تأييد المشترك للحرب في صعده يمكن إدراجه في مصلحة اليمن وهم كادوا قبل الحرب السادسة أن يتهموا على عبدالله صالح بالخيانة العظمى عندما أوقفها ورفض الابتزاز الذي مارسوه عليه في ذلك الوقت. وقد تناهى إلى مسامع الجميع أن المعارضة كانت حينها تزيد من مطالبها بتقديم موازنات وتجنيد وتسليح فقطع عليهم الرئيس الصالح طريق الاشتراطات وأوقف الحرب الخامسة, ولكن الحوثي وعصابته تنمروا وحسبوا أن صعده قد صارت إقطاعية في حوزتهم وأن المواطنين والنساء والأطفال والرجال قد صاروا عبيداً لهم ولنزواتهم, وهذا ما جعل الرئيس على عبدالله صالح يرجع إلى خيار الحرب مكرهاً, عندما عز خيار السلم وعز خيار رجوع الحوثة إلى صوت العقل, خصوصاً ومن يقودهم ويتحكم في رقابهم هو شاب أهوج في العشرينيات ولا يستجيب لصوت عقل أو موعظة دين.

وعند هذا المفترق ماذا كانت تريد أحزاب المشترك؟, أكانت تأمل في أن يتم الاعتراف بدولة الأدارسة الحوثة في صعده؟, هل أرادت أن تصبح صعده دولة مستقلة أو بحكم داخلي؟, لماذا لا يفكروا في اليوم الذي يمكن أن يصلوا إلى سدة الحكم؟, ولماذا لا يتركوا اليمن بدون تقسيم حتى يجدوا عندها ما يمكن أن يحكموه؟

هل هو انتقام من الشعب الذي أولى المؤتمر وعلى عبد الله صالح كامل ثقته, وسد آذانه عن تحريض وإشاعات المشترك؟ ألا يعرف قادة هذه الأحزاب أن قواعدها تكره ما يفعلونه لأنهم يعانون من ضعف الدولة الذي أسهموا في ظهوره, هل السياسة في نظرهم أن يتم تدمير الوطن حتى يستجيب الحاكم لمطالبهم في الاشتراك في الحكم, رغم إنهم دستوريا خارج منظومة الحكم؟ هناك أسئلة كثيرة تسبب الصداع, لان أحزاب المشترك هي أحزاب يمنية ويقودها يمنيون ويعيشون في أحضان اليمن وليس في فنادق الخارج, ويومياً يصرحون بأنهم يعملون لما فيه صالح اليمن والشعب وأنهم يحبون اليمن ويضحون من أجل حياض الوطن, وأنهم يقدسون وحدته ويحفظون كرامته, ولكن قراءة واحدة لتصريحاتهم واجتماعاتهم تثبت إنهم لا يحبون أحد سوى أنفسهم ومصالحهم, حتى أن قواعد هذه الأحزاب صارت تخجل من مواقف قياداتها, ومن هنا أعلن احترامي وتقديري لكل من يغلب مصلحة الوطن على ما سواها.

abdtwaf@hotmail.com


في السبت 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 05:07:00 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=6089