{فير} مؤسسة إعلامية أميركية تطالب بالعدل والمصداقية في صناعة الأخبار

لندن: عبير مشخص

 كثرت الانتقادات لوسائل الاعلام الاميركية باعتبارها تخضع لمحاذير ومصالح الشركات العملاقة التي تملكها، إلا أن المثير للاهتمام بروز اصوات داخلية تعترض على اتجاهات الاعلام الاميركي وتأخذ على عاتقها مهمة مراقبة ما ينشر ويذاع ثم التعليق عليه ومحاولة ايضاح الاخطاء والتجاوزات. من هذه المجموعات منظمة (فير) FAIR (الاسم اختصارا لمبادىء الجمعية: اخبار عادلة وصحيحة) والتي بدأت عملها عام 1986 واستطاعت خلال الاعوام الماضية ان تجد لنفسها مكانا متميزا في عالم الاعلام. يقوم عمل المنظمة على مراقبة وسائل الاعلام الاميركية وتوفير النقد الموثق على تحيز بعضها وايضا على الرقابة التي قد يواجهها هذا الاعلام سواء من الحكومة او من المؤسسات المالكة او من جماعات الضغط.

اول ما يراه المتصفح لموقع المؤسسة على الانترنت هو الجملة التي تختصر مبادئ المؤسسة وخط سيرها: «اعلام مستقل، حاد، وناقد».

ويرى القائمون على المؤسسة ان الاعلام الاميركي السائد اصبح مسترخيا بوجود القوى الاقتصادية والسياسية. وزاد من محدودية وجهات النظر المطروحة في هذا الاعلام الاندماج في ملكية وسائل الاعلام بين الشركات الكبيرة وبامتلاك الشركات الكبرى التجارية لوسائل الإعلام وضغط الشركات المعلنة أصبح الاعلام المستقل في وضع حرج. تهتم (فير) اولا بتحليل المادة الصحافية التي قد تهمش الصالح العام والاقليات ووجهات النظر المخالفة. وبحسب لائحة المبادىء المنشورة على الموقع الخاص بالمنظمة فإن (فير) «تنشر المواد الصحافية التي يهملها الإعلام العام. كما تتبنى فير ايضا الدفاع عن الصحافيين وذلك ضمن جهودها لكسر احتكار وسائل الاعلام وإقامة إعلام مستقل يعتمد على مصادر غير ربحية». وبالتالي فإن المنظمة تعمل مع الناشطين والصحافيين وتقدم النقد على التقارير الصحافية المنشورة كما تعمل على تعبئة القراء للتفاعل مع المسؤولين في المؤسسات الصحافية.

بالإضافة الى الموقع الالكتروني تنتج فير البرنامج الاذاعي Counter Spin كما تنشر المجلة الشهرية Extra. صدرت المجلة لأول مرة في عام 1987 ومن خلال مقالاتها تعالج الخط المتحيز في بعض الصحف الاميركية، كما تركز على الرقابة على الاخبار واندماج الشركات الاعلامية وسيطرة الشركات المالكة لهذه الصحف. ونظرا لخطها المستقل، تعتمد المجلة في تمويلها على اشتراكات القراء والتبرعات.

بعد عشرين عاما من انشاء (فير) يعتبر رئيس تحرير المجلة جيم نوريكيس ان تأثير المنظمة على المتابعين لنشاطاتها والمشتركين في قائمة المراسلات قد ازداد بشكل ملحوظ. واضاف خلال حديثه لـ «الشرق الاوسط» «من الملاحظ ان الجمهور اصبح ينظر بعين ناقدة للاخبار اكثر مما كان يحدث في عام 1986 وان القراء المهتمين بمتابعة الاخبار اصبحوا اكثر وعيا بالأجندة السياسية خلف التغطية الصحافية للاحداث خاصة محاولة الصحافة التأثير على آراء المواطنين بتبنيها مواقف معينة». ولا تقتصر نشاطات المنظمة على نشر المجلة بل تعتمد من خلال قائمة مراسلات الكترونية على إصدار البيانات التي تدعو القراء للتفاعل مع الاخبار المغلوطة او المتحيزة وذلك بإرسال رسائل الاحتجاج الى الصحافيين المعنيين. وتحمل القائمة اربعين الف مشترك حتى الان. «الهدف الاول من هذه البيانات او ما يطلق عليه نداءات التحرك action alerts)) هو تعريف القارئ بتحيز بعض الكتاب والتقارير الخاطئة التي قد تظهر في وسائل الاعلام الاميركية». واضاف نوريكيس «من اهدافنا ان نجعل القراء ينظرون بعين ناقدة ومدققة للاخبار ويدركون ان عليهم التفاعل مع هذه الاخبار». ويشير نوريكيس في معرض حديثه الى التقرير الذي ستصدره مجلة Extraعن امثلة نجحت فيها (فير) في تحريك الرأي العام للتأثير على صناعة الاخبار، «كمثال هناك القصف الاميركي للسفارة الصينية خلال حرب كوسوفو. فقد نشرت بعض الصحف الاوروبية ان القصف كان متعمدا واعتمدت على مصادر رفيعة المستوى على ذلك، بينما تجاهلت الصحف الاميركية بالتحديد النيويورك تايمز هذا الخبر. ومن خلال نشر الخبر على الموقع الالكتروني لـ «فير» ونداءات التحرك اضطرت صحيفة النيويورك تايمز لتغطية الخبر». ولكن ما هي القوى المؤثرة على الاعلام الاميركي؟ تأتي الاجابة في جملة واحدة: الشركات المالكة لوسائل الاعلام.

تقريبا كل وسائل الاعلام الاميركية تتبع مؤسسات ربحية وهي مؤسسات مطلوب منها قانونا وضع ربح مستثمريها قبل كل الاعتبارات الاخرى، ولكن المعضلة تكمن في ان منطق الربح يتعارض مع ممارسة الصحافة المسؤولة حسب تعبير نوريكيس. هذه المؤسسات اصبحت متشعبة ومحدودة العدد، حيث ان الشركات الكبيرة اخذت تبتلع الصغيرة. ونتيجة لهذا التركيز في العدد اخذت التعددية في الاصوات في التقلص وتركزت السلطة في يد شركات معدودة. «من الامور التي يغفلها الناس عادة ان الاعلام لا يجب اعتباره صناعة تهدف الى الربح فقط. على العكس الاعلام مهمته خلق الحوار الديموقراطي. لا اعتقد ان سعر الجريدة اهم من انشاء حوار يستطيع من خلاله المواطنون تكوين آراء ناقدة للقرارات السياسية المتخذة من قبل المسؤولين». بالنسبة لمؤسسات الاعلام الخاصة فإنها تتبع السياسة الموضوعة من مالكي الشركة والمساهمين اولا. وبالنسبة للمؤسسات العامة هناك مشكلة اخرى تكمن في الراعي الرئيسي. فمثل هذه الجهات لها سياساتها الخاصة ايضا. فعندما نقارن هيئة الاذاعة البريطانية «بي.بي.سي» مع نظيرتها الاميركية «بي.بي.اس» نجد ان المؤسسة البريطانية تتمتع بالاستقلال المهني بينما المؤسسة الاميركية تخضع لضغوط مختلفة سواء من الحكومة او الشركات الراعية. وبالتالي نجد ان القناة الاميركية تتردد في معالجة الاخبار الحساسة والتي قد تثير النقد.

عندما ترعى أي مؤسسة تجارية عملا اعلاميا فإنها بشكل او بآخر تملي سياستها على البرنامج. ويضيف جيم موضحا «على سبيل المثال قدمت قناة البي.بي.اس PBS برنامجا عن صناعة البترول وكان البرنامج تحت رعاية احدى شركات البترول الكبرى. النتيجة أن البرنامج قدم وجهة نظر واحدة، وجهة نظر الشركة الراعية واغفل باقي الجوانب التي قد يكون من المفيد طرحها في البرنامج». في ظل هذه العلاقات المتشعبة في عام الاعلام يرى جيم ان الحل هو «ان يكون وقف عام يمول وسائل الاعلام الاميركية المستقلة حتى تستطيع تأدية واجبها العام بعيدا عن الضغوط المختلفة».


في الثلاثاء 24 يناير-كانون الثاني 2006 10:01:35 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=70