|
شخصيا ، لا أعرف الأستاذ الفاضل/أحمد الآنسي رئيس هيئة مكافحة الفساد حاليا ( وزير المواصلات سابقا )كما لم يسبق لي شرف اللقاء به في أي وقت من الأوقات ، لكنني عرفته عبر الشهادة الإيجابية عن شخصه من الناس الذين عرفوه وتحدثوا وكتبوا عنه ، منذ أن بدأ عمله كموظف حكومي حتى هذه اللحظة ، وللأمانة فإن تلك الشهادة أوجدت للرجل مكانا مميزا في نفسياتنا وقلوبنا كمواطنين ، حتى أننا في كثير من المرات التي شهدت تغيير الحكومات في البلاد ، كنا نتحدث "بعفوية " عن منح رئاسة الوزراء للآنسي لعلمه وأمانته وإخلاصه وإتقانه في أداء واجبه ، وأيامها لم نكن ندرك أن النظام إنتهج ولا زال سياسة ( حرق الشرفاء ) وتقريب الضعفاء لغرض في نفس كبيره الذي سعى بذلك لتحقيق مشروعه التوريثي الخاص.
قلت ما سبق أعلاه ، حتى لا يقول قائل ان الكتابة عن الأستاذ العزيز منطلقة من قاعدة الخلاف والمصالح وغير ذلك من المصطلحات المستخدمة في سوق السياسة اليمني الفاسد ، وعليه فإن كتابتي عن الرجل أساسها مبدأ الغيرة على الشرفاء وتقديم النصح لهم عندما يقعوا في اخطاء تشوه تاريخهم وتسود سجلاتهم لدينا كشعب ، صار وجود المسؤول الشريف لديه في القوى السياسية ( خاصة الحزب الحاكم ) سراب بقيعة منذ زمن طويل ، ولأن الآنسي حقيقة وليس سراب ، وجب علينا التمسك به والتشبث بتاريخه لتطمئن أفئدتنا وتقتدي به أجيالنا ، التي ستصدم كما صدمنا من هول الفساد الذي بسط ويلاته على البلاد ، وستلعن كما نلعن اليوم من زرع الفساد ورعاه في تراب وطننا ، وبسببه تذيلت بلادنا دول العالم وفقدت قيمتها بين شعوب الأرض.
الأستاذ الفاضل معني لوحده في الحفاظ على مكانته تلك عبر اتخاذ قرار سريع وعاجل يرضي به المولى قبل كل شيء ، ويبين من خلاله درجة الإيمان التي يحملها وبها تتضح معالم خوفه من الله ، ثم يرضينا ويسكن قلوبنا الوجلة عليه لنكن معه لا عليه يوم الحساب العسير بين يدي ملك الملوك الذي لا يظلم عنده أحد ، والقرار متعلق برئاسته وعضويته لهيئة مكافحة الفساد التي صارت في نظرنا هيئة لتنميته والتستر على الفاسدين .
تبدوا الإستقالة حلا وحيدا ومتوقعا من الأستاذ العزيز لأن الهيئة منذ تاريخ نشأتها حتى اللحظة لم تقدم شيء ، وحتما لن تحقق في المستقبل أي شيء ، ولعل الآنسي يعلم قبل أي أحد في الوطن أنها وجدت لمرواغة القوى الدولية التي إشتمت عفن الفساد في بلادنا والذي وصلت رائحته إلى كل بقاع الأرض ، والإستقالة في حد ذاتها تمثل موقفا كبيرا لا يستهان به أبدا ، وعشمي أن المهندس سيتخذ ذلك الموقف ليفوت الفرصة على اولئك الذين سعوا ويسعون لحرقه وتسويد صورته البيضاء في عيون الناس الذين عشقوا سيرته المزينة باخلاق وسمات الرجال الصادقين.
لقد ضحكنا كثيرا عند تشكيل الهيئة ، وأدركنا أنها ستموت في المهد وستدفن بجانب المرحوم ( الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ) ولأن شر البلية ما يضحك " خاصة عند النظام اليمني " فقد كان الأمر الرئاسي بصرف سيارة لكل عضو في الهيئة أيام تأسيسها أمرا مضحكا ، فقيمة السيارة الواحدة تجاوز الخمسة وستين ألف دولار أمريكي ، لتبدأ الهيئة عملها بفساد تجاوز ثلثي المليون دولار ، فكان ذلك بمثابة خبر سار للفاسدين الذين تنفسوا الصعداء ليمددوا أقدامهم العفنة في مستنقع فسادهم وينهشوا بأظافرهم القذرة جسد الوطن على مرأى ومسمع من الآنسي وهيئته الكسيحة المتخصصة في توثيق الفساد وجمع ملفاته ، وإجراء تعداد لذمم الفاسدين والنافذين مع ان ما لديهم وما في ذممهم يغني الف مرة عن ملفات الهيئة واوراقها .
عطفا على ما سبق ، سأنقل للأستاذ العزيز مقولة مهاجر عاد إلى هنا منذ شهر تقريبا لأثبت له أن الشجر والحجر والهواء والحيوانات في اليمن أصبحت على علم بالفساد ، ولو وجدت تلك المسميات وسيلة للخروج من البلاد ما تراجعت لحظة واحدة ، أما البشر فقد صاروا قرابين تقدم لوحوش الفساد يوميا ، بعد أن نهشتهم الأوجاع والأمراض والفقر والجهل والمرض رغما عن هيئة الآنسي وزملائه .
قال ذلك المهاجر العائد بيأس وألم بعد ان سألته عن حال البلاد والعباد ، أنت تتابع وتقرأ وتكتب فما فائدة كلامي ؟ فأوضحت له ان ليس كل ما يكتب صحيح وفارق بين حديثه والأخبار المنقولة ، فقال لي سأختصر لك الأمر في أم الكبائر الذي قتل الوطن ونحر الشعب من الوريد إلى الوريد ، وأصبح بكل أسف ثقافة ممارسة في المجتمع وعليه ستعلم علم اليقين أن ما يكتب لا يمثل من حالنا سوى حرف من الحروف كلها.
الفساد يا عزيزي إحتل البلاد بعد أن نشر قواته في كل مفصل من مفاصلها ولتدرك حجم المصيبة فأنت تعلم أن دول العالم الأخرى تشكل لجان أو فرق متخصصة لإكتشاف الفساد ومحاسبة الفاسدين ، أما في بلادنا فلا نحتاج لذلك أبدا.
الفساد يبتسم لك أينما ذهبت وحليت ، في الطرقات وشبكة الإنارة والمياه والصرف الصحي ، في المستشفيات والمدارس والجيش والمطارات......الخ، وبكل خجل أقول لك أن الفساد حول وطننا إلى مقلب نفايات لأردأ وأقبح الصناعات في العالم ، فماذا تريد أن تسمع أكثر من هذا ؟.
ما رأي الأستاذ /أحمد الآنسي في هذه الكلمات البسيطة لمواطن لا يحمل من العلم نسبة واحد في المائة من ما يحمله الأنسي ، لكنه يحمل ضميرا لو وزع على أركان النظام وقادة المعارضة لكفاهم ولصلح حال البلاد في زمن قياسي.
ضحايا الفساد في بلادنا بالملايين أستاذنا الفاضل ، فبين فقراء صاحبتهم الآهات والحسرات ، وأمراض أدمنوا الآلام والأوجاع ، يقع عدد مماثل من العاطلين واليائسين وحملة الشهادات المقصيين ، ويتعلق بهم جميعا حفنة يبكون ليل نهار على سمعة وطن أهانه وأهدر كرامته وباع عزته عدد لا يتجاوز الخمسين فردا حسب مقال رائع للمبدع الكبير فكري قاسم ، شكّلوا مراكز قوى إقتاتت الوطن ببشره وشجره وحجره ، وأزاحو بفن نفوسهم الخبيثة الشيطان وجنوده من اليمن وحلوا محله فنشروا القتل والفتن في أرضه الطيبة وغرسوا الفساد في البر والبحر بمباركة الهيئة الراعية والموصوفة زورا وكذبا بالمكافحة.
حتى اللحظة كان الآنسي ولا زال عضوا بارزا في كتيبة الشرفاء ، ولا يمكن نسيان تواضعه الشديد بسيارته البيضاء التي كان يقودها وحيدا في شوارع البلاد أيام وزارته للمواصلات التي كانت في عهده وزارة مثالية ، ولولا التوجيهات الرئاسية التي قيدت عمله وعلمه لكانت اليمن منذ زمن طويل دولة رائدة في مجال الإتصالات ، مثلما تم تقييد عمله الذي لن ينسى أبدا يوم أن عين وزيرا للتربية والتعليم ، إذ كانت سنته تلك سنة مميزة في تاريخنا الدراسي عرفنا العلم فيها على أصوله ، فمنذ اول يوم توفرت الكتب وتواجد المدرسون ، وحملنا السجادات إلى المدارس وارتفعت اخلاقنا خوفا من الرسوب في مادة السلوك التي أضيفت في عهده ، حرصا منه على خلق جيل يتسور بالخلق الفاضل الذي سيرفع من أداء الإنسان عندما يخدم وطنه وشعبه.
كما قلت في سياق المقال ، وحده الأستاذ الفاضل من يملك القرار ، فإما الأنتصار لدينه والإستجابة والتضامن مع الفقراء والمرضى ، وإما الإنتصار للفساد والمفسدين وتوجيه طعنة دامية في جسد الشرفاء وتاريخهم المهدد بالزوال والغياب في تاريخ اليمن الحديث.
aalmatheel@yahoo.com
في الجمعة 15 أكتوبر-تشرين الأول 2010 05:08:04 م