مأزق الأغلبية الكاسحة.. كيف تحول النصر نكسة
أحمد أمين عبدالله المساوى
أحمد أمين عبدالله المساوى

يعتبر المشهد السياسي اليمني فريد بكل تجلياته والعوامل المؤثرة فيه إذ لا يمكن قياسه بأي تجربه سابقة في البلد أو حتى مماثله بدولة مجاوره فكل تجربه سياسية يكتشف المراقب مع إعلان نتائجها الأسس التي تم التوافق بين الأطراف الفاعلة عليها قبل إجرائها لذلك نجد على سبيل المثال بأخر تجربة الراحل مرشح المعارضة بالانتخابات الرئاسية تفاجأ بإعلان أحزاب المعارضة قبول نتيجة الانتخابات رغم إعلانه تحفظه عليها وهكذا فإن بقاء عناصر حسم التجربة خارج المشهد واتفاقهم المسبق على مسار الأداء جعل النتائج منضبطة إلى حد ما وعليه فالنظام الحاكم بحواراته وخلافاته مع المعارضة بشأن مستقبل الحياة العامة اليمنية واستحقاقاتها القادمة الانتخابات النيابية تحديداً .

وبغض النظر عما ورد بالبيانات والتصريحات لقيادة الطرفين يخطئ من يتصور أن النظام الحاكم يسعى لإيجاد مسوغات تمكنه من إزاحة الستين نائب ممثلي المعارضة بالبرلمان إذ أن الحاكم بحاجة ماسة لانتخابات نيابية بأقرب وقت للتخلص من الإشكاليات التي تتسبب بها أغلبيته الكاسحة كتلة المأتيين وستة وعشرون نائب والتي باتت أحد أبرز العوائق المعرقلة لمشاريع النظام الملحة حالياً ومستقبلاً لا سيما مع غياب قيادة تحكم التمكن بإدارة الأداء للأعضاء داخل البرلمان فتضبط أدائهم وأصبحت كتلة الحزب الحاكم ولأول مرة في تاريخ العمل البرلماني ببرلمان 2003م تتفرق انتماءات ممثليها فتجد من صفوف الحاكم كتل مناطقية وقبلية ومعارضه وإنتفاعية ومتذبذبة بالإضافة إلى كتلة متعجبة من رداءة الواقع البرلماني الذي لم يكن بالحسبان ولم يعد يمثل توجهات قيادة الحزب الحاكم من النواب سوى هيئة رئاسة المجلس ورؤساء بعض اللجان المهمة وعدد من النواب الذين لا يتجاوزون أصابع اليد من المقربين لرئيس الجمهورية وثلة من المتخصصين محترفي العمل البرلماني أما البقية من يلحظهم تأخذه مشاعر الاندهاش والحيرة فمجموعة تنظم لتكتل العرب البائدة وتنظم لهيئة سياسية ناشئة مقابل فتات شهري يقدر بالألآف ومجموعة مجتهدون في التخطيط لأحزاب المعارضة كيف يعارضون ويؤثرون على النظام أكثر ومجموعة متخصصة بالثارات والأحقاد على بعض الوزراء وبعض مؤسسات الدولة بدوافع شخصية محضه لا علاقه لها بالأداء الرسمي لإداراتهم وكل هذه المذاهب التي توزع بها ممثلي الحزب الحاكم كشفت هشاشة الانتماء الفكري والتنظيمي لممثلي الحزب الحاكم وغدا تأثير قيادات معارضة على مواقف مجاميع داخل البرلمان أكبر من تأثير قيادة الحزب الحاكم فتمكنت كتلة المعارضة رغم انخفاض حجمها من حيث عدد الأعضاء إلا أنها تطورت من خلال نوعية عناصرها الذي تم تصعيدهم لبرلمان2003م إذ بستين نائب ويزيدون قليلاً بأدائهم المنضبط وقيادتهم المتمكنة تمكنوا من إرباك النظام الحاكم وإحراج الحكومة وقيادة الدولة شعبياً بأكثر من قضية وملف سواء كانت مواقفهم البرلمانية على حق أو على باطل وبرزت توجهاتهم أكثر تأثيراً على أداء البرلمان رغم أقليتهم وقد أدرك قادة المعارضة السياسيين بفاعلية كتلهم داخل البرلمان ونجاحهم بدقة أدائهم من إثبات حيوية دورهم الأساسي في نشاطات البرلمان وبقرار مقاطعة جلسات البرلمان فضحوا ترهل وانفلات كتلة الحاكم إذ عجزوا عن عقد أكثر من جلسة لعدم توافر النصاب الكافي لعقد الجلسات لهذا فإن ما يحتاجه الحاكم في حواره مع المعارضة هو البحث عن وسائل ضامنة تمكنه من إجراء ترتيبات جديدة في كتلته النيابية تلتزم المعارضة خلالها أخلاقياً بعدم محاولة توظيف نتائج الترتيبات في صفوف الحاكم كأن تلتزم الأحزاب بعدم تقديم أي مرشح لتمثيلها في الإنتخابات مالم يكن ملتزماً تنظيماً وأمضى أكثر من عامين على الأقل منذ التحاقه بالتنظيم حتى تضمن قيادة الحزب الحاكم بقاء سيطرتها على أغلبية مريحة بعد تجربة الأغلبية الكاسحة المنهكة للبلد والقيادة السياسية وهي رغبات يظهر أنه أستشعرها الحاكم مبكراً عقب انتخابات 2003م فكان دائما ما يجري الحديث عن إمكانية حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة إلا أن المخاوف من نتائج عدم توافق الأطراف الفاعلة ودخول أطراف جديدة إقليميا كانت تؤجل الرغبات القيادية بإيجاد كتلة برلمانية منضبطة وفاعلة من فترة لأخرى حتى أخر تمديد للسنتين ولأن غالبية السياسيين في وطننا يحترفون ممارسة فنونهم السياسية في الظـل منذ بدء التعددية ولا يعلن إلا عن الصيغ الشكلية والنتائج المتفق على معالمها سلفاً ويبررون ذلك بعدد من المحاذير بعضها معتبرة وبعضها ظنيه مبالغ فيها وخير شاهد على مثل ذلك التبريرات الغير منطقية لانقطاع الحوار من الطرفين حيث يؤكدان على ضرورة استمرار الحوار الوطني وأنه لم يعد هناك مفر منه في الوقت الذي يحمل كل منهما الأخر مسئولية التنصل عن الحوار! وتلك لا تمثل جوهر الخلاف ولا حقيقته فهناك دواعي واقعية وضرورية لم يتجرأ أيا من الأطراف الإفصاح عنها فضلا من وضعها للنقاش العام .

لذلك لابد من التأكيد أن التسوية التوافقية القادمة لم يعد بالإمكان استيعابها وإتمامها إلا وفق أطر عامه جامعة لتمثيل ومصالح كافة أبناء الوطن متنزهة عن أي تسويات للقوى الانتهازية حكاما ومحكومين وبذلك ينعقد الآمل بخلق وطن جديد أكثر أمناً واستقرارا تنفيذا لبرنامج رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة...

ختاماً باعتقادي أن من بين الرموز السياسية في بلدنا استثنائيين يجرؤن على الإفصاح عن وسائلهم ومقاصد أجندتهم السياسية أربعة أحدهم توفاه الله عبدالله بن حسين الأحمر ومحمد عبدالملك المتوكل وعبدالكريم الإرياني وعبدالرحمن الجفري ومن خلال مواقفهم يمكن قبل أي مشهد سياسي استطلاع توجهات المشهد ومساراته بين الأطراف المعنية باعتبارهم الأدوات الأكثر حدة وتحديداُ وبالبقية الباقية منهم يمكن استشراف ملامح المرحلة القادمة لليمن نخبة وشعباً هذا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

Ahmadameen2@yahoo.com


في الأحد 26 ديسمبر-كانون الأول 2010 08:19:57 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=8615