واشنطن لم تطلب الزنداني.. فلماذا يتاجر به الرئيس؟!‏

* منير الماوري

في التاسع من ديسمبر الماضي كنت من بين ستة صحافيين عرب في واشنطن دعاهم ‏البيت الأبيض للإلتقاء بمسئول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي ‏إليوت إبراهام، وكانت القضية الساخنة في تلك الأثناء هي سوريا والدعوات الأميركية ‏لتغيير السلوك السوري تجاه لبنان والعراق.‏ استمعت بإمعان لوجهة نظر المسئول الأميركي، وعندما جاء دوري في توجيه سؤال ‏أثرت معه قضية اصطحاب الرئيس اليمني للشيخ عبدالمجيد الزنداني إلى مؤتمر القمة ‏الإسلامية في مكة المكرمة، قائلا له " لماذا تعتبرون كل ما يقوم به السوريون سلوكا ‏مرفوضا ويصب في خانة دعم الإرهاب في العراق، وتسكتون عن سلوك أنظمة ‏أخرى في المنطقة مفترضين أن تلك الأنظمة حليفة لكم" أليس في هذا كيل بمكيالين ‏وإزدواجية في المعايير؟!‏ فأجاب إبراهام على السؤال رافضا المقارنة بين اليمن وسوريا، لكنه أقر بأن ‏اصطحاب رجل مدرج في قائمة الأمم المتحدة وفي قائمة الداعمين للإرهاب الصادرة ‏عن وزارة الخزانة الأميركية سلوك مرفوض تماما بل ويشجع على تحدي الإرادة ‏الدولية.ورغم أن إليوت إبراهام من المتابعين بعناية لكل ما يتعلق بشؤون المنطقة ‏العربية إلا أني شعرت أنه فوجئ بالسؤال، وربما لم تكن قد وصلته في تلك الأثناء ‏تقارير السفارة الأميركية في صنعاء عن سفر الزنداني، ومع ذلك فلم يتردد في شجب ‏الزيارة.‏ وليس من المستبعد أن يكون البيت الأبيض قد احتج في وقت لاحق على اصطحاب ‏الزنداني في زيارة خارجية ضمن وفد رسمي مع الرئيس اليمني ولكن من المستحيل ‏أن ينتظر البيت الأبيض أربعة أشهر بعد الزيارة كي يرسل احتجاجه عليها.‏ولقطع الشك باليقين أجريت اتصالا مع المكتب الصحفي للرئيس بوش طالبا الحصول ‏على تأكيد أو نفي فرفض المسئولون على غير عادتهم التعليق على الأمر، وربما أن ‏التحفظ عن تأكيد الطلب عائد إلى عدم الرغبة في الإدلاء بمعلومات تخالف الحقيقة، ‏وفي ذات الوقت فإن تكذيب الخبر من وجهة النظر الأميركية قد يعطي الزنداني ‏تطمينا مجانيا لا حاجة له.‏ غير أن مصدرين موثوقين في الخارجية الأميركية أكدا لي بوضوح أن الولايات ‏المتحدة لم تطلب رسميا من اليمن اعتقال الزنداني وهو الأمر الذي يتفق مع ما أدلى ‏به وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي، وأنا شخصيا أثق في صدق القربي ‏وأثق في صدق الخارجية الأميركية ولا أثق في صدق المصادر اليمنية والأميركية ‏الأخرى فيما يتعلق بقضية الزنداني.‏ وأستطيع هنا أن أزعم أني متابع للشأن اليمني إلى حد ما وقادر أيضا على فهم كيفية ‏صنع القرار في الولايات المتحدة، وأعرف تماما أن الولايات المتحدة نأت بنفسها عن ‏الإحراج في قضية الزنداني من خلال إدراجه في قائمة وزارة الخزانة وليس في ‏قائمة وزارة الخارجية للإرهاب، كما أنها لم تطالب بتسليمه حسب تأكيد أوثق ‏المصادر.‏قائمة وزارة الخزانة الأميركية تعني فقط تجميد أموال المدرجين فيها ومنعهم من ‏السفر والتنقل بحرية بين البلدان، ولكن لا تعني بالضرورة تسليمهم للولايات المتحدة ‏أو وضعهم قيد الاعتقال. وأستطيع التأكيد بما توفر لدي من معطيات أن واشنطن لا ‏يمكن أن تحرج نفسها في هذه الآونة بمشكلة الشيخ الزنداني، ولا تريد أن تدخل في ‏مواجهة مع أنصاره في اليمن وهم كثر شئنا أم أبينا.ولكنها تطالب الحكومة اليمنية ‏دوما تجميد أرصدته وأرصدة أخرى في بنوك يمنية وهو مالم تقم به الحكومة اليمنية ‏حتى الآن لأنها غير صادقة في تعاونها المزعوم ضد تمويل الإرهاب.‏أنا هنا لا أدافع عن الزنداني ولست من أتباعه ولا مريديه بل أعتبر نفسي من ‏خصومه فكريا وسياسيا وربما وجدانيا لكني أمقت المتاجرة بالقضايا العادلة وأمقت ما ‏تحاول مؤسسة الرئاسة في اليمن أن توحي به كذبا للشعب اليمني من أنها تحارب ‏الإرهاب أو أنها تدافع عن مواطنيها ‏ فهاتين أكبر كذبتين في التاريخ اليمني المعاصر.‏ لقد تجددت قصة المواطن الزنداني بخبر في صحيفة 26 سبتمبر عن طلب الاعتقال ‏المزعوم بعد أربعة أشهر من الحدث، ومصدر الخبر بالطبع كما يعرف الجميع في ‏اليمن هو قصر الرئاسة. وجاء الخبر بعد تحرك الشيخ الزنداني المثير للإزعاج في ‏قضية المظاهرات الاحتجاجية على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله ‏عليه وسلم، وهي المظاهرات التي تبناها أصلا المؤتمر الشعبي العام واستطاع ‏الزنداني أن يسحب البساط من تحت المؤتمر ويلقي خطابا حماسيا في المتظاهرين ‏ألهب حماسهم وهيج عواطفهم واستفز السلطة التي تخشى من أي حشد شعبي قبيل ‏الانتخابات الرئاسية.‏ ولا أنكر هنا أن هناك مصادر أميركية تبدي تحمسا لاعتقال الزنداني ووافق الخبر ‏اليمني هواها مما دعاها إلى تأكيده على استحياء اعتمادا على الطلبات والمكاتبات ‏السابقة بشأن الزنداني ولم تعلم أن الحكومة اليمنية تثير القضية مجددا لأهداف في ‏نفس يعقوب كي تدلي في اليوم التالي بتصريحات بطولية أنها لن تسلم الزنداني ولن ‏تعتقله بدون أدلة كافيه عن التهم الموجهة له.‏هذا هو الإبتزاز وهذه هي التجارة الخاسرة، وسيعلم الأميركيون في النهاية أن ‏الأنظمة الكاذبة والمسئولين الفاسدين هم السبب الرئيسي للإرهاب والوقود الأساسي ‏له.وأن التعامل مع الأنظمة الفاسدة لن يساعد على تحقيق أي تقارب مع الشعوب ‏المقهورة، وهذا ما تدركه جيدا رئيسة الدبلوماسية الأميركية كونداليزا رايس التي ‏وضعت النقاط فوق الحروف أمام الرئيس علي عبدالله صالح أثناء زيارته الأخيرة ‏إلى واشنطن.وعاد الرئيس من واشنطن ليتحدى أميركا بالزنداني وهاهو الآن يتحدى ‏الزنداني بأميركا.‏الأمر الذي لم يدركه الرئيس صالح للأسف أن أميركا ليست قبيلة يضرب بها قبيلة ‏الزنداني، كما أن الزنداني يمثل فكرة ولا يمثل قبيلة ومن الخطورة بمكان تحريض ‏الزنداني على أميركا أو تحريض أميركا على الزنداني لأن من سيدفع الثمن هو ‏الشعب اليماني.‏


في السبت 25 فبراير-شباط 2006 02:15:54 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=88