يوميات بلطجي يمني
طارق عثمان
طارق عثمان
 

على وقع خطواته ، والجلبة والضجيج الذي أحدثه أفاقت زوجته ، حاولت أن تفتح عينيها جاهدة وهي مستغربة ما لذي يفعله في هذه الوقت المبكر ، نظرت إلى ساعتها اليدوية ، كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة فجرا .

- الله يهديك ، الله يهديك ... أخيرا قررت تصلي الفجر جماعة

- ههههههه أصلي الفجر جماعة ؟؟؟ !! أنت عارفه إني ما أصلي الجمعة جماعة !! تريديني أصلي الفجر جماعة وفي هذا البرد . الله يهديك بس ..

أزاحت البطانية بعيدا عنها و تثاقلت لتقوم ، فأخذت تترنح في مشيتها حتى كادت تسقط على وجهها بعد أن تعثرت بالحاجز السفلي لباب الغرفة الحديدي ..

- جني .. آاااح ... طيب أيش اللي خلاك تقوم هذا الوقت . قالت هذا وهي ترفع نبرتها متذمرة وقد انحنت لتفرك قدمها التي اصطدمت بالباب ...

- عمل وطني يا تقية .. عمل وطني .. وأخذ يربط رأسه بغترتة المهترئة بطريقة غير ما ألفته عليه فبدا وكأنه شخص جديد .، وأخذ يسحب جنبيته من غمدها ويعيدها بطريقة متكررة .

- أيش هذا العمل الوطني اللي يصحيك الساعة 4 .. يا خوفي من أعمالك الوطنية اللي ممكن تجيب لي ضرة ..

- إحنا فين وانت فين .. الوطن يواجه مؤامرة من الشباب المغرغر بهم يا مرة وانت بالك في الزواج !!!!

ومن تحت البطانية يخرج صوت إبنه الصغير يقول بتهكم : المغرر بهم يا بابا مش المغرغر بهم ..

- اسكت أنت .. ما درى أبوك بحاجة ..

ترد الزوجة ارقد يا بني ارقد قدامك مدرسة الصبح .

ثم تلتفت لزوجها

- ومن هم هولا المغرغر بهم .

- شوية عيال .. يقولوا لهم عيال الفيس بوك والتوتر ..

 

يرد الابن بصوت مكتوم التويتر يا ابا التويتر

- التوتر يا حمار التوتر .. سموهم كذا لأنهم يوتروا البلاد كلها .. لكن على من ؟؟ !!! ثم سحب عصا غليظة من خلف الباب وأخذ يمررها فوق راحته وكأنه يسنها ...

نظرت إليه زوجته ..

- وأنت أيش دخلك بخلق الله .. خليك في حالك يا ناجي ..

- قلت لك عمل وطني ، عملللل وطني وأخرج من جيبه ورقتين من فئة 1000 ريال ثم أخذ يفركهما بإصبعيه ثم أعادها الى جيبه قبل أن تمد يدها لتأخذهما منه .. خرج من البيت بشكل مسرحي ، وهو يقول فينكم من زمان ياعيال التوتر كان اغتنينا من وراكم كل يوم 2000 والله انها نعمة ..

- أغلقت الباب من ورائه وهي تقول

- الله يستر ..

الأحد

 

مر على بوفية قريبة من ميدان التحرير اشترى خمير ( فطائر) وشاي حليب ، أخذ يتناولهما بتروي وحينها دخل عليه صديقه حمود

- صباح الخير يا ناجي كيف الحال ... ثم وضع الصميل ( العصا ) التي كان يحملها تحت الطاولة .. والتفت لنادل البوفيه وقال له نفس الطلب يا حبوب ...

رد ناجي

- الحمد لله

- طيب ما فعلت أمس ...

- ولا حاجة ... أنا رابطت هنا في ميدان التحرير لكن ولا شفت مخلوق يتظاهر .. كلهم جماعتنا .. تغديت وخزنت وروحت البيت ... يا أخي الوطنية هذه طعمها يجنن أول مرة بعد العيد آكل لحمة واخزن بقات تمام كانت أمس .. الله يحفظ الوطن وحماة الوطن ...

- تطيب اللي نعمله صح ..

- طبعا صح .. نحمي بلادنا وأمننا .. وكمان بمقابل أيش المشكلة ..

استمرا في تناول الإفطار ثم توجها صوب أحد الخيام المنصوبة في ميدان التحرير ....

 

الإثنين

توجه إلى جوار جامعة صنعاء مبكرا جلس في أحد زوايا الشارع يلتمس الدفء من الشمس التي تأخرت قليلا وينتظر وصول المتظاهرين الموالين لينضم إليهم .. وبينما هو غارق في التفكير متكورٌ على نفسه يرتشف سجارته بشغف إذا بدأت الهتافات تتعالى من الشارع المقابل ... بالروح بالدم نفديك يا علي ... يا علي سير سير نحن بعدك بالمسير ..

استل اللافتة التي كانت بجواره

( نعم للأمن والاستقرار ، لا للفوضى والتخريب ) ثم قفز وسط الجموع وأخذ يهتف حتى بح صوته .. استمرت المظاهرة ساعات طويلة .. كان يقف بجواره شخص مألوف الملامح .. حاول أن يستذكر أين رآه ؟؟؟أين رآه ؟؟ .. وفجأة تذكر إنه عسكري في القسم الموجود في الحارة المجاورة لبيته ...

- أهلا يا فندم عبده كيف حالك كيف أخبارك .. أنت كمان معك عمل وطني بالصميل زينا .. وأشار للعصا ذات النتوءات الحادة التي في يد ( عبده ) ..

- اليوم طلاب الجامعة خارجين مظاهرة .. لكن لازم يتربوا ... الجامعة تعطيهم علم والتربية علينا ولوح بعصاه في الهواء ثم تقدم الى بداية المظاهرة وهو يهتف وقد شهر عصاه نعم للأمن نعم للاستقرار لا للتخريب والفوضى ...

استمرت المظاهرة وخرج الطلاب يهتفون ( الشعب يريد إسقاط النظام ) .. هجم ناجي ومرافقوه على المتظاهرين لكن استطاعت قوات الأمن الفصل بين المظاهرتين ... حاول أن يتحرش بالطلاب ويجرهم نحو الصدام لكن كان الجميع يهتف سلمية سلمية ، انفضت المظاهرة دون أن يتمكن من إثبات وطنيته

فقفل راجعا إلى البيت بعد أن غاب عنه 3 أيام ..

الثلاثاء

- نام طويلا هذا النهار حتى العاشرة ظهرا

- اصح يا ناجي تلفونك كل شوية يرن ...

- ليش كم الساعة

- الساعة 10

- الله الله الله.. ياساتر راحت علي نومة ... غسل وجهه وارتدى ملابسه وأخذ عدته الوطنية واتجه صوب الباب وحين أراد أن يخرج وجد ورقة كتب عليها بالخط العريض ( ارحل ) ..

التفت صوب زوجته وعيناها تتطايران شررا ..

- من كتب هذا الكلام يامرة .. هاااا من كتب هذا الكلام الحقير يا مرة ...

- ابنك كتبه ..

- فينه فينه ابن الكلب

- راح المدرسة

طيب أنا عد أوريه بكرة ... خلينا نخلص من عيال الجامعة وبعدين نشوف الطابور الخامس ..

 

الأربعاء

عاد بعد الظهر والعصا بيده مضرجة بالدم

دخل البيت وعندما رآه ابنه نهض واقفا ..

- أيش هذا الدم يا ابا ..

- هذا دم أعداء الوطن

- يا ابا الجزيرة تقول إنكم بلطجة و أصحابي في المدرسة يقولوا لي ابن البلطجي وأخذ ينتحب ...

- كذاب أبوه اللي يقلك إني بلطجي .. أنا أدافع عن الأمن والاستقرار ..

- لكن هم يقولوا إنك تدافع عن الفاسدين ، مش على الوطن .. وتقف ضد الثوار ...

- كذابين .. كذابين ... خلاص، خلاص ما في مدرسة ... ما في مدرسة لحد ما تنتهي هذه المشاكل ..

- يا ابا ما بتنتهي هذه المشاكل حتى يسقط النظام ..

أرخى ناجي يده ثم صفع ابنه على وجهه حتى سقط على الأرض ، ثم توجه إلى الشارع مرة أخرى ..

 

الخميس ...

كان في هذا اليوم مستعدا لمواجهة حاسمة مع أعداء الوطن كما يصفهم .. خرجت مظاهرتان كبيرتان كان هو في مقدمة إحداها يهتف باسم الزعيم وينادي بالأمن والاستقرار ويلوح بعصاه وجنبيته في الهواء ..

حدث التلاحم وانهال على الشباب والفتيات بالضرب المبرح ... شاهد أمامه الكثير من الدماء تتدفق من الرؤوس لم يكن يفرق بين أحد ضرب الصغار والكبار والنساء .. كانت شخصية البلطجي المصري الذي خاض معركة الجمل في القاهرة تستهويه ، استمر في الضرب .. كانت تصله أخبار انفلات امني واعتداء على المحلات .. لم يصدق أن رجال الأمن هم من يقوم بذلك وإنما عيال التويتر والفيسبوك الجبناء .. زاد حماسه في تكسير الجماجم ... حتى هرب الجميع من أمامه .. لكن كان يتناهى إلى سمعه أخبار غير مطمئنة عن تصرفات إتباع السلطة ..

عاد إلى بيته مسرعا .. دخل الحارة .. وجدها مقلوبة رأسا على عقب المحلات نهبت السيارات كسرت وسرقت محتوياتها .. شاهد رفيقه العسكري عبده يعبر الشارع محملا بمقتنيات أحد المنازل ، توجه إلى منزله مسرعا وجد الباب مفتوحا ... دخل إلى بيته وقد سمع صراخ زوجته وهي تندب ابنهما ... البلاطجة قتلوا ابنك يا ناجي .. البلاطجة قتلوا ابنك ياناجييييييييييييي وترفع يديها إلى السماء ثم تضرب بهما الأرض وتنحنى فوق ابنها تلثم جسده المسجى أمامها ...

سقط العصا من يديه ووقف مذهولا .. خارت قواه وجثم على الأرض انتحب كعجوز ثكلى ثم حمل ابنه بين يديه .. وخرج به إلى الشارع متوجها صوب ميدان التحرير وهو يصرخ بشكل هستيري ... الشعب يريد إسقاط النظام ... الشعب يريد إسقاط النظام ... الشعب يريد إسقاط النظام ...


في الثلاثاء 15 فبراير-شباط 2011 05:12:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=9142