مصر واليمن .. نعم سيتكرر المشهد ؟
سارة عبدالله حسن
سارة عبدالله حسن

كنا جميعاً نتوقع عدم نجاح الانتخابات المصرية الأخيرة شأنها شأن الانتخابات التي سبقتها لكن الطريقة التي أدار بها بلاطجة الحزب الوطني بقيادة أحمد عز هذه الانتخابات فاقت كل التوقعات فعجلة التزوير التي دارت بمنتهى الصفاقة لم يردعها أحد وقناع الديمقراطية المشوه الذي كان يمنح الأخوان والأحزاب الأخرى بعض المقاعد ، لم يروا هذه المرة حاجة من حياء لإرتداءه فالزمن ـ حتى نوفمبر 2010 ـ هو زمن الحزب الوطني .. ومصر وما عليها لمبارك ووريثه فلماذا يجلبون لرؤوسهم الصداع بتلك المقاعد في البرلمان ؟! ولأننا نرى في مصر ـ القدوة والقبلة في السياسة وفي أمور كثيرة فإن البعض في اليمن وضع أيديهم على قلوبهم وهم يخشون أن يتكرر الأمر نفسه فيها خاصة وأن الحكومة بدأت تشغل اسطوانة عدم السماح لأحد بالتدخل في شؤون البلد الداخلية لإجراء بعض الإصلاحات التي تطلبها المعارضة وهي إسطوانه تشبه كثيراً تلك التي رددها الحزب الوطني في مصر عندما أتهمه الغرب بتزوير الانتخابات .

وفعلاً بدت التوقعات حينها في محلها فبلاطجة المؤتمر الشعبي العام من أمثال أحمد عز وعتاولته المعتقين في الفساد كفتحي سرور وصفوت الشريف قد بدأوا يعدون عدتهم لطبع نسخة أخرى من الفيلم العربي نفسه ولم يكتفوا بأن ينادوا بفترة رئاسية أخرى ـ غير قانونية ـ للرئيس اليمني أو ما سُمي حينها بـ (( تصفير العداد )) أي اعتبار فترة ولايته كأنها لم تكن بل نادى المزايدون منهم بقلع العداد من الأساس واضعين الرئيس اليمني ـ وهو الذي لا تكاد تخلو خطبة له من الحديث عن الديمقراطية ـ في موقف لا يحسد عليه .

إلى هنا ولا يزال المشهد اليمني يعكس المشهد المصري وكل الإشارات تدل على أننا سنشاهد النُسخة اليمنية للفيلم المصري نفسه !

أتذكر قبل الانتخابات المصرية بحوالي أسبوع كان لدي موعد هام في شارع القصر العيني في التاسعة مساء ، أخبرني سائق التاكسي أننا قد لا نصل بسهولة فالزحام شديد لأن الرئيس مبارك اتجه إلى هناك ليعزي في كمال الشاذلي والجماعة كلهم سيحضرون والدنيا قائمة وقاعدة ـ على حد تعبير السائق ـ وبعد أن تحدث كثيراً عن الريس والعزاء والمسئولين ، أدركت أنه لم يكن يعرف في الحقيقة المنصب الذي كان يشغله كمال الشاذلي بالتحديد وقد سألني عنه فأجبت أنه عضو في مجلس الشعب واكتفيت حينها بهذه الإجابة من باب أذكروا محاسن موتاكم مع أني عندما سمعت عن دور أحمد عز في الانتخابات الأخيرة تذكرت أن المرحوم كانت له الأقدمية في هذا المجال .

ما جعلني أبتسم بحزن أن السائق عندما سمعني أقول إنه عضو في مجلس الشعب تنهد وقال بحرقة : ربَّنا يأخذهم كلهم. .

((ربنا يأخذهم كلهم )) من كان يحلم أو كان يخطر على باله مجرد خاطر أن يُستجاب هكذا دعاء .. كل شيء كان متوقعاً إلا استجابة هكذا دعاء .

بعد أسبوع .. عشية يوم الانتخابات كنت في الشارع نفسه في العاشرة مساء كان الشارع هادئاً بصورة مخيفة والانتشار الأمني كان ملحوظاً في أكثر من جهة فيه ربما بحكم وجود بعض المباني الرسمية كمجلسي الشعب والشورى وغيرها ، حتى ميدان التحرير ـ الذي كان يفضي إليه هذا الشارع ـ كان هادئاً جداً ، كثير من المحلات كانت قد أغلقت أبوابها ، استغربت فأم الدنيا عادة تواصل ليلها بالنهار قلت في نفسي : (( غداً انتخابات ربما حالهم حالنا في اليمن يشعرون بالتوتر لذلك ، أو ربما كانت طبيعة هذه المحلات أن تغلق مبكراً عكس غيرها )) ... كان كل شيء يوحي بأن الأمور ستظل على حالها وأن الأمل في غد أفضل شعار يردده البعض دون أن يرى بصيص نوره أحد . ربما لهذا السبب كان الناس مشغولين بأحوالهم اليومية يوم الانتخابات كأن شيئاً لم يكن حتى أن معظمهم لم يشاركوا فيها إلا إخواننا ـ الأخوان ـ كانوا حتى ذلك اليوم يحاولون على شكل مستقلين أن يكون لهم متنفس في هذا المجلس فيحصلوا على عدد مرضٍِِِِ من المقاعد هم وبعض أحزاب المعارضة الأخرى لكنهم جميعاً جُرّوا قسراً إلى خانة (( المحظورة )) ولم يحتفظوا ـ من كراسيهم الثمانية والثمانين التي حصلوا عليها في مجلس 2005 ـ حتى برجل كرسي ، وهكذا فشلت الانتخابات المصرية كما كان متوقعاً .. وكتبت الصحف واعترضت كما كانت تفعل كل مرة لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد مثلما كان يحدث بعد كل انتخابات فاشلة تشهدها مصر إذ أن نداء خفياً يبدو كأن لم يسمعه أحد بعد كان يقول أن الزمن وبالتحديد منذ 25 يناير 2011م لن يكون زمن الحزب الوطني وأن مصر وما عليها تلفظ مبارك ومن المحال أن تورث لأحد .

تراكمات ثلاثين عاماً من القهر والظلم للشعب .. مواقف مخزية ومسيئة للأمة العربية والإسلامية في قضاياها المصيرية .. شباب جمعتهم الآم شتى وأحلام تائهة ومستقبل بلا ملامح .. استوقفتهم حادثة خالد سعيد .. حفر استهتار السلطة بهم وبأحلامهم العزم في داخلهم على أن يحققوا ما لم يستطع أن يحققه آباؤهم وجيل بأكمله أحبط قبلهم ، ثم جاءت أحداث تونس لتؤكد أن ذلك ممكن الحدوث وقد حان الوقت .

لقد كان إذاً السكون الذي يسبق العاصفة ، وأشتعل الميدان بشباب التحرير واشتعلت الشوارع المحيطة به ، ومنها شارع القصر العيني الذي شهد فاجعة دهس السيارة الدبلوماسية الأمريكية المسروقة لعشرات المتظاهرين ... واشتعلت مصر كلها .. لقد حدث إذاً ما لم يكن متوقعاً .. ولأن مصر ـ كما ذكرت ـ هي دائماً القدوة فإن ما حدث فيها قد يتكرر في أي دولة عربية وقد حدث بالفعل في اليمن بالتحديد حيث كان المشهد اليمني يماثل المشهد المصري حتى وقت قريب ... الشوارع في صنعاء وبعض المدن اليمنية يذكرني سكونها ليلاً بسكون شارع القصر العيني وميدان التحرير المخيف .. إنه السكون الذي يسبق العاصفة لكن الفرق أن سكون ميدان التحرير كان هادئاً بالمرة لذلك عندما انطلقت الجماهير هناك لم تحدث جراحات كبيرة .. لكن الشارع عندنا ليس بالساكن دوماً لقد كان لفترات طويلة يهدر نهاراً بين حين وآخر ، أما في هذه الأيام فقد بدأت شوارع تعز وعدن تدب في الليل بآلاف رافعة للشعارات ذاتها التي رفعها إخواننا المصريين في ميدان التحرير .. وبدأت آلاف أخرى عند الجامعة الجديدة إقامة عرس حضاري لاختراق السكون الذي يطبق أنفاس العاصمة ذلاوخنوعا.. نعم الشارع عندنا ليس بالساكن دوماً.. إنه كالبركان الذي يبعث بحمم خفيفة كإشارات على سبيل الإنذار فإذا لم تؤخذ الاحتياطات لمواجهة غضبه واتقائه انفجر مخلفاً وراءه خسائر فادحة لا تحمد عقباها .. هنا يختلف المشهد اليمني عن المشهد المصري .. والذي يجب أن ينتبه له البعض في السلطة اليمنية والذين كانوا يحاولون أن يقلدوا ما فعله إخوانهم في الحزب الوطني هو أن سيناريو الأحداث الأخيرة في فيلمهم هذا لم تكن من صنعهم إنما كانت من صنع أبطال ميدان التحرير وشعب مصر كله وهو ما سيتكرر عندنا فأبطال ساحة التغيير في صنعاء لن يزيدهم العمل الإجرامي الذي حدث فجر الاربعاءالماضي وتكرر بعدها أكثر من مرة إلا عزما على مواصلة الاعتصام كما سيجعل الجماهير تلتف حولهم أكثر وأكثر وكذلك الحال في ساحة حرية تعز وفي عدن واب وحضرموت والحديدة والبيضاء وكل مناطق اليمن ،فلا الرصاص الحي ولا الغاز السام -الذي لم يستخدمه حتى سفاح ليبيا وأستخدمه سفاحو الأمن المركزي والحرس الجمهوري عندنا- ولا حتى خروج حبيب العدلي شخصيا لهم بكل غباء متمثلا في النسخة اليمنية بمحافظين ونواب ووزراء شباب متخصصين بقمع الشباب وقتلهم ...لم يعد أي شيء قادر على أن يوقف غضبة الشعب الذي فاض به الألم و الصبر...إن ما يجري في الشارع اليمني هو فعلا النسخة اليمنية للفيلم المصري نفسه لكنها النسخة الأبشع بالنسبة للأحداث الدامية التي تدور فيها ويبقى الأمل في شعبنا الذي سيفاجئ العالم إن شاء الله في المشهد الأخير بانتصار رائع يعيد لليمني كرامته التي أهدرها النظام بين الشعوب أما الخيار الوحيد الذي سيظل للممثلين في الجهة المعاكسة من هذا الفيلم فهو اختيار كل منهم لنهايته الشخصية إذ كنا نتمنى أن تكون مشرفة للبعض لكن يبدو لي أنهم لم يتابعوا أحداث الفيلم المصري حتى النهاية ..لقد تحدى حبيب العدلي الشعب في التلفزيون وقال انه فعل ما فعل بأوامر عليا لا يحتمل مسؤوليتها فزج به النائب العام في اليوم التالي في السجن ولم ينفعه انه كان مجرد أداة بيد السلطة من تحمل مسؤولية جرائمه وهكذا انتهى مع أحمد عز وجرانة والمغربي كما انتهى الفرعون الأكبر مبارك ،وهكذا سينتهي الأمر بكل من حدا حدوهم في اليمن سواء من أصغر بلطجي أو أكبر كبير فلا كبير على الحق ولا كبير على الشعب والله أكبر .

saramyara@yahoo.com


في الإثنين 14 مارس - آذار 2011 07:20:22 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=9471