الخيارات الأمنة لانتقال السلطة
جمال التركي
جمال التركي

منذ اللحظة التي انطلق فيها تعبير الشعب يريد اسقاط النظام , في خضم انتفاضة الشعب التونسي العظيم .لا يزال التعبير ذاته يواصل رحلته من دولة الى اخرى, فبعد تونس دوى هذا الشعار في اجواء القاهرة وبقية المدن المصرية ,وهاهو اليوم اليوم يدوي في المدن الليبية واليمنية ,فما هو النظام الذي ينادي هذا التعبير بسقوطه؟ وماذا عن مدى هذا السقوط ؟هل هو تام ام جزئي في احد مكوناته؟ثم ماذا عن الوضع في اليمن ؟ وماذا عن أمن الخيارات لتحقيق مطالب الثورة التي تمثل ذروتها الانتقال السلس للسلطة والى من تنتقل هذه السلطة؟كل هذه الاسئلة سنحاول الاجابة عنها بصورة موجزة في هذا المقال

يعرف النظام بانه تجمع لعناصر او وحدات تتحد بشكل او اكثر من اشكال التفاعل المنظم او الاعتماد المتبادل بهدف تحقيق غاية معينة, يقال النظام مفهوم المفاهيم لان بداخله انظمة جزئية وهذه الاخيرة قد يكون بداخلها انظمة اصغر منها, وبذلك يستبين ان المعنى العام لتعبير النظام الذي يستعمله شباب الثورة هو الدستور كون الدستور هو قانون القوانين او اعلى القوانين بسبب ما يتضمنه من قواعد واصول ومبادئ اساسية تستمد منها كل السلطات والحقوق ويلزم مراعاتها في كل التشريعات ,فهل الشعب حقا يريد ان يسقط الدستور ام انه يقصد امرا اخر؟

الحقيقة ان حاجة الشعوب لاسقاط الدساتير في مجملها متوقفة على الطريقة التي يصدر بها الدستور ,فلا شك ان الدستور الذي يصدرعن طريق لجنة يعينها الحاكم يكون محلا للمطالبه بإسقاطه واحلال اخر محله , اما الدساتير التي تصدر عن طريق استفتاء الشعب عليها بصورة حرة وتنا ل موافقة الشعب فلا يتصور ان يطالب الشعب بإسقاطها , وان كان من المتصور المطالبة باسقاط بعض مواده , والدستور اليمني هو واحد من هذه الانواع إذ نال موافقة الشعب اليمني عقب الاستفتاء عليه سنة 1991,وبذلك يمكن القول ان المتظاهرين اليمنيين لا يطالبون بإسقاط الدستور وانما بسقوط السلطة الناشئة عنه ,وما استعمالهم لهذا التعبير فليس الا محاكاة لاخوانهم في تونس ومصر

الخيارات لانتقال السلطة 

متى ما اقرينا ان الثورة تريد اسقاط السلطة التي تعرف بأنها المكنة التي يمنحها الدستور لشخص او مجموعة اشخاص بغرض رعاية شئون الدولة ومصالح الشعب,فإن التساؤل يثور من جديد حول المقصود بهذه السلطة لان السلطة إما ان تكون تنفيذية او تشريعية ,ام ان المقصود اسقاطهما معا؟

المتأمل في خلاصة مطالب شباب الثورة يجد انها تتركز حول رحيل الرئيس ,وبذلك فإن الثورة ترى مبتدأ الطريق للتغيير والاصلاح هو اسقاط السلطة التنفيذية ,وفي ذلك مصلحة حقيقية للشعب اليمني لانه سيظل محتاجا للسلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب في حال تنحي الرئيس عن السلطة وانتقالها الى نائبه وفقا للمادة 116 , دون خوف من كون اغلب اعضائه تمثل الحزب الحاكم, وذلك لانه سيجد نفسه ملزما بتبني الاصلاحات التي ستكفل نزاهة الانتخابات القادمة إذ اصبح يعلم ان ان الشعب الذي قدر على على إقصاء الرئيس قادر على محاكمتهم إن لم يؤدوا هذه المهمة الوطنية على وجه الدقة, ولنا في اسقاط بقايا رموز النظام التونسي والمصري دليل على ذلك

اقول هذا الكلام لان المادة 65 من الدستور تنص على ان مجلس النواب يظل ممثلا للامة في حال تعذر انتخاب مجلس جديد بسبب ظروف قاهرة وذلك الى ان يتم انتخاب مجلس جديد , ومن ثم فالإعتماد على نقل السلطة الى نائب الرئيس يكفل تجنب دخول البلاد في الفراغ , وامكانية تعديل قانون الانتحابات, واجراء الانتخابات النيابية مصحوبة باستفتاء على تعديلات دستورية محدودة تتناسب مع المرحلة الانتقالية وبعد ذلك يجرى إنتخاب الرئيس ليجد امامه مجلسا نيابيا يؤدي امامه اليمين الدستورية التي لاتتم له الشرعيةبدونها, وبذلك يتضح ان إجراء الانتخابات النيابية شرط لإجراء الانتخابات الرئاسية

إنني أجزم بكل يقين أن الآلية السابقة هي أمن الآليات لإنتقال السلطة للاسباب التالية

الاول:أن خيار نقل السلطة الى الجيش متعذر لأن الكثير من قادته هم اقارب للرئيس وبذلك فإن ولائهم للشعب يظل امرا مستبعدا, فضلا عن الجيش نفسه اصبح منقسما بعد ان اعلن بعض القيادات تأييدها لمطالب الثورة ,وبذلك فليس حالنا حال مصر التي استلم السلطة الجيش المحكوم بمجلس خالي من اي انقسام

الثاني:إن ولادة مجلس انتقالي يستلم السلطة تبدو صعبة للغاية في ظل عدم وجود قيادة لشباب الثورة وفي ظل تزاحم بقية القوى-المعارضة و المنشقين عن السلطة-على حجز مقعد او أكثر في هذا المجلس,فضلا عن محاولة بعض القوى الاقليمية دس الداء في الدواء الذي تقدمه للعلة اليمنية ,ولعلكم سمعتم بالمبادرة المشبوهة التي دعت الى تشكيل مجلس انتقالي يتكون من سياسيين وقبليين -

الثالث:ان صنع التحولات الكاملة لا يتم في ظل سلطة انتقالية ,ومن ثم فإن الاعتقاد بإمكان التحول من النظام الرئاسي الى النظام البرلماني خلال ستة اشهر او سنة هو امر مجانب للصواب لان ذلك يستدعي تعديلا شاملا في الدستور والقوانين المرتبطة بالعملية السياسية برمتها ,فالأقرب ان تكون هذه المهمة هي مهمة الرئيس القادم,وقد رأينا المجلس العسكري المصري يكتفي بإجراء تعديلات دستورية محدودة تسمح له بإعادة السلطة الى رئيس وبرلمان منتخبين في اقرب وقت

وامام تعثر نقل السلطة الى الجيش ,وتطرق الخوف من عدم إمكانية تأسيس مجلس وطني بسهولة ,يبدو انه من الغباء ان نتجاهل الأمن الذي يتوافرلنا في نقل سلطة مؤقته عبر الآلية التي نص عليها الدستور ,ومن ثم فلا داعي لان تلهينا فكرة كون نائب الرئيس جزء من النظام عن رؤية الامر الذي يوصل الثورة الى غايتها ويضمن سلامة الوطن والمواطنين في الوقت ذاته, وقد رأينا كيف ان السلطة في تونس نقلت الى رئيس البرلمان على الرغم من توحد الجيش في تأييد الثورة

*أستاذ القانون الجنائي ومدير المركز العربي للعدالة وحقوق الانسان بولاية متشجن

     
في السبت 09 إبريل-نيسان 2011 06:19:56 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=9815