صحفي يمني يروي تفاصيل ومعاناة أربعة أيام في سجون الحوثيون

الأحد 10 أغسطس-آب 2014 الساعة 03 مساءً / مأرب برس - خاص
عدد القراءات 7869

كتب الصحفي في مؤسسة "مأرب برس" الاعلامية، الزميل يوسف حازب، عن انتهاكات الحوثيين، بحق الأسرى والمختطفين الذين يختطفونهم لمعارضتهم لفكرهم الحوثي بمحافظة عمران، ساردا مواقف مؤلمة وحزينة حصلت له وزميله يوسف القحمي اللذين اعتقلتهما مليشيات الحوثي وهم يصورون اثار الحرب في مديرية عيال سريح بعمران.

وقال حازب الذي بقي في سجون الحوثي برفقة الصحفي يوسف القحمي أربعة أيام، مع استمرار التحقيق معهم، وبعد نهب كاميرا تتبع مؤسسة "مأرب برس" وتبلغ قيمتها نحو 360000 ريال يمني.

يوم الخميس الموافق 31 / 7 / 2014م، وتحديداً في الساعة العاشرة صباحاً، كنت وزميلي يوسف القحمي، في قرية الورك بمديرية عيال سريح (شرق عمران)، أثناء تصوير حالات انتهاك تعرض لها مواطنون من أبناء القرية، وكذا بعض البيوت والمصالح المهدمة إما نتيجة تفجير الحوثيين لها أو متأثرة بتلك العملية.

بعد أن انتهينا من عملية التصوير الأخيرة مع أبو الطفل الشهيد (مالك)، الذي أكد لنا أن ولده قتل قنصاً من قبل قناصة حوثيين، تفاجأنا أثناء خروجنا من القرية، بأحد الأطقم التابعة لجماعة الحوثي المسلحة، على متنها حوالي 7 مسلحين حوثيين، استوقفونا وهرعوا إلى جوار الباص الذي كنا نستقله، وبدأت الأسئلة تتتالى.

يسألني قائد المجموعة كما لاحظت – أبو خليل – عن اسمي وبطاقتي وكاميراتي والجهة التي أصور معها، فأجبته وأعطيته ما يريد، فأعاد إلى بطاقتي ولم يأخذ الكاميرا التي حاول مسلحون آخرون أخذها قبل أن تأتيهم الأوامر بعدم أخذها.

قال لنا أبو خليل – وهو يشير إلى رجل مسن بجواره: هذا هو شيخ القرية لو تشتو شي هو بيعرفكم ويتعاون معكم - اتضح لنا فيما بعد أن لقبه (البليلي) وعينه الحوثيون شيخاً- مع أني كنت أعرف مسبقاً أن شيخ قرية الورك قد قتله الحوثيون مع ابنه، عند اقتحامها، فأومأنا له أن شكراً على اهتمامك.

كان الرجل لطيفاً في تعامله معنا، قبل أن يعود إلى طقمه العسكري مع أفراد مجموعته، بعد أن خذ رقم هاتفي،ـ ليغادر بذلك المنطقة متجها إلى قهال، التي تقع يسيطر الحوثيون عليها وعلى مبني جامعتها، كما هو الحال مع باقي مناطق عمران.

غادرنا نحن المكان أيضاً باتجاه الخط العام الذي يربط القرية بعاصمة المحافظة، وفيه استوقفنا مسلحون حوثيون على ذات الخط، بسيارة النجدة التي تم تمويهها من قبلهم، لتصبح ضمن غنائمهم التي غنموها من عمران اليمنية – كما أخبرني أحدهم.

نزل أحد المسلحين – الذي تبدو عليه براءة الطفولة – ليفاجئنا بهجوم شرس على العدسة الخارجية للكاميرا – نوع wide angle ، لمحها أمام سواق الباص - قبل أن يأسر الكاميرا منا، ويأسرنا تباعاً.

فتش المسلحون الباص، وأمرونا بالنزول، وأدخلونا إلى السيارة المأسورة، ليهددوننا بحرمة التصوير إلا بإذنهم أو تصريح من قبلهم، وإلا فالجزاء كبير والعاقبة وخيمة. وبينما كان المسلحون يسيرون بنا باتجاه المدينة، أخذوا كل ما لدينا حتى الأوراق البسيطة التي أعادوها إلينا بعد قراءتهم لها، في ظل أسئلة تنهمر من ألسنة المسلحين وسائق (الأوبل) تحديداً، حتى أدخلونا بوابة الإستاد الرياضي بعمران في تمام الساعة الحادية عشر قبل ظهر الخميس.

يتخذ مسلحو جماعة الحوثي من مبنى الاستاد الرياضي وملحقاته سجناً كبيراً لكل من يحلو لهم وضعهم فيه.

بدأت المليشيا بتوجيه الأسئلة المتكررة لنا – بينما كنا مانزال داخل الأوبل – فانتماؤنا كما قالوا لقناة سهيل التابعة لدواعش الإصلاح التكفيرية – حسب وصفهم.

قلنا لهم أننا كنا في مهمة تصوير لبعض الانتهاكات التي حدثت للمواطنين والمنازل والمصالح المهدمة الحكومية أو الخاصة، لكنهم أصروا بأننا مراسلون لقناة سهيل، بل لم استغرب حينما قال لي أحدهم: أنا قد شفتك، أنت مذيع في سهيل!!! أخذونا باتجاه غرفة صغيرة (الأمانات)، ليودعوا فيها أشياءنا، ثم اتجهوا بنا نحو غرفتين صغيرتين، وضعوني في إحداها – حوالي أربعة متر × مترين ونصف، مع أكثر من 15 فرداً سبقوني إليها سجناء في قضايا مختلفة. في غرفة السجن - المكتظة بالرجال والأطفال ما دون سن العاشرة – بدأت بالتعرف على أولئكم الأفراد وقضاياهم، فأشعروني بمرارة ما يذوقونه، من قبل السجَّان الحوثي، قبل أن يبدأ الشعور ذاته يتدفق إلي بعد صلاة الظهر وخصوصاً مع تناول كسرة الخبز الذي أعطاني إياها أحد المساجين في وجبة الغداء.

شكا إلي بعضهم بأنهم تعرضوا للتعذيب، وطالبوني إن خرجت بنقل معاناتهم للإعلام، الذي أوجه من خلاله صورة من المعاناة التي يقاسيها أولئك، في سجون الحوثي، إلى الجهات الرسمية المعنية التي لا اتمنى أنها قد تخلت عن مواطنيها.

الحوثيون لا يطعمون مساجينهم، ولا يسقونهم، بخلاف ما يصنع في سجون الدولة اليمنية، التي يحاربونها ويقتلون أبناءها؛ في مفارقة عجيبة لما تنتهجه جماعة الحوثي المسلحة وتعمله وما يقول قادتها أو أعضاءها أنهم يطمحون إليه.

جلسنا بعد صلاة العصر، لنتبادل الأحاديث مع أصدقاء السجن، قبل أن يستجوبني أحدهم، بقوله: الصحفي... يجاوب، ليبدأ التحقيق في غرفة مجاورة، عن حادثة الاختطاف ومعلوماتي الشخصية، وأسئلة كثيرة، سجل اجابتها أحدهم، بينما يسأل آخر. داهمنا الليل بعد طول انتظار، وبدأ ظلامه يتسرب إلى نفوسنا، ليخيم الحزن علينا ببعاد أسرنا وفقد أصدقائنا، وتدلهم علينا معاناة السجن، الذي أرهقني من أول وهلة.

لم يكن أحد من زملائنا قد علم باختطافنا – كما علمتُ بعد خروجي – لكن تلفوني الموبايل الذي نسيته قدراً ببيت عمي – أسرة الزميل العزيز يوسف القحمي – كان الوسيلة الوحيدة التي أبلغ بعض الزملاء من خلاله بما جرى لنا.

بدأت المواقع الالكتروني تتداول خبر اختطافنا، ليقوم الإعلام بدوره الضاغط، فقام الحوثيون بإخراجنا من الغرف الضيقة المزدحمة، إلى غرفة الاستقبال بجوار البوابة الرئيسية للملعب من الداخل، ثم إلى غرفة مستقلة تتبع الصالة الرياضية المغلقة بداخل أسوار الملعب أيضاً. كان المسلحون الحوثيون وقتها ما يزالون يتعاطون القات والشمة (البردقان)، التي ظلت مخلفاتهما بجوارنا، قبل أن نخرجها في عملية تنظيفنا للغرفة أنا وزميلي صباح اليوم الثاني (الجمعة)، التي حرمنا أداء صلاتها، لعدم وجود صلاة جمعة تقام، كما هو حال صلاة الجماعة التي لم تتم مطلقاً خلال أيام سجننا الأربعة، إلا من صلاتنا مع ثالث سجن بجوارنا.

ظل المسلحون يعدوننا ويمنوننا بالإفراج عنا وإخراجنا، طوال الأيام الأربعة، فبين ساعة وأخرى نسمع من صغير وكبير (قضيتكم بسيطة – قضيتكم محلولة – ستخرجون الليلة – ستخرجون غداً – خلاص بنشوف مع أبو.....)، وهكذا ظل الأمر في عملية تضييع للوقت ومراوغة من جميعهم.

كنا نقول لهم أنه يجب أن نخرج فيردون علينا: أنتم لستم مساجين.. انتم ضيوف، فنرد عليهم أنه يجب إخراجنا فيهددونا: أحمدوا الله انكم هانا ومش في سجون ثانية ولا في صعدة ولا بيعذبوكم ويشمتوكم شمات.

واصل الجميع حرباَ نفسية علينا، شارك فيها حتى (النامس) البعوض، وكـأن عمران لم تعد مدينتا ولا أهلها أهلنا، وليس ترابها من تربينا عليه وترعرعنا ونشأنا فيه.

جلسات عدة مع قياديين في السجن والجماعة المسلحة - أعتبرها فرصة ذهبية حصلت لنا - تعرفنا من خلالها عن قرب، عن مصاب هؤلاء الجلل في عقولهم وتفكيرهم، فما يحدثونك به ويعتقدون حرمته يرتكبونه بأيديهم، في صورة لامبالاة مفرطة!!!!! الحقيقة التي أدركتها أن الإعلام كان له دوره الكبير في الإفراج عنا، بعد تعهد قضى بأن لا نصور في الأماكن التي تسيطر عليها الجماعة المسلحة، إلا بإذن منهم، وأن لا ننشر ما صورناه أو ما شابهه، وأن لا نمارس التحريض ضدهم، وضمانة من أحد أصدقائنا الذي يعرفونه ويقع الآن تحت طائلة الابتزاز الحوثي، في قضيتنا – وأتمنى أن لا يصاب بشر، كما أجريت معنا مقابلة تلفزيونية لقناة المسيرة أجبنا فيها عن بعض الأسئلة التي أجبناها على الورق من قبل.

كانت لحظة الخروج بمثابة المولد الثاني لنا – لاسيما بعد عمليات تهديد كثيرة حصلت لنا كان أولها بالقتل لحظة دخولنا، فقد قال لنا أحدهم: أنتم عارفين ان التصوير فيه قطع رؤوس، فقلنا له: نحن لديكم واصنعوا بنا ما شئتم، فرد: مابلا بنقطع روسكم"، وآخرها: قبل خروجنا بلحظات حينما قلنا للشخص الذي كتبنا له التعهد، وطلب منا أن نشكرهم على حسن التعامل في المقابلة المصورة، بأننا نحمد الله أننا بقينا أربعة أيام وبس، وإلا بعضهم ما يزال داخل السجن في نقعه في صعدة وغيرها، وعليه حكم بالسجن المؤبد بسبب التصوير.

كشف لنا الشخص ذاته بعد أن سألناه بعض الأسئلة، عن حقول ألغام في محافظة عمران وما جاورها، وهنا أشير إلى الخطورة التي تمثلها تلك الحقول، خاصة في ظل عدم العلم بها من قبل المواطنين وساكني تلك المناطق، ما قد تتسبب بمقتل الكثير من الأبرياء. قبل المغادرة، خروجاً من السجن، ذهبنا للمرة الثانية إلى غرفة (الأمانات) فأخذنا أدواتنا التي أخذت منا (تلفونات - بطائق – جنابي)، وبقيت الكاميرا مع ملحقاتها لم تسلم لنا بحجة أن الفاتورة التي تثبت ملكيتنا لها غير موجودة.

غادرنا السجن بعد ظهر يوم الأحد، بعد وعود من قيادات كثيرة من ضمنها (أبو خالد – أبو عمار – أبو مازن)، بإرجاع الكاميرا لنا فور إطلاعهم على فاتورة الشراء التي تثبت ملكيتنا لها، إلا أننا فوجئنا برفضهم تسليمها بعد أن أعطيناهم الفاتورة، وأخبروا صاحبنا الذي ذهب لأخذها: أنه تم مصادرتها، وقالوا له: "احمد الله إن أصحابك خرجوا"، في صورة توضح ماهية الجماعة المسلحة وأساليبها القذرة في نهب ممتلكات الناس. لصوصية الحوثيين التي تحدث عنها الكثير حتى ممن التقينا بهم في السجن، لم تتضح لنا - للأسف الشديد – إلا مؤخراً، فما يروج له الحوثيون بأنهم حريصون على ممتلكات الناس وأمنهم وأمانهم، أصبحت كذبة كبرى، تشبه إلى حد كبير كذبة الرئيس هادي الكبرى باستلام الدولة لعمران من مليشيات الحوثي.

ملاحظات:

-بقينا في السجن أربعة أيام من الخميس وحتى الأحد.

- الكاميرا نوع سوني HD820 ، قيمتها = 360000 ريال يمني.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن