مقتل «صالح».. الذكرى الأولى للجريمة.. من الخائن؟ جثته مازالت تنزف ووصيته حبر على ورق وورثته يتصارعون على التركة

الثلاثاء 04 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 07 مساءً / مأرب برس - معاذ راجح
عدد القراءات 4918

  

غموض في الأحداث، وأحداث متعاكسة، روايات متعددة وشهادات متضاربة، اتهامات بالخيانة وشتائم وتهديدات متبادلة، تصريحات سطحية ومرثيات عاطفية جوفاء، أحاديث عن مؤامرات دولية وتورط جهات متعددة، وتبريرات تحمل القتيل المسؤولية وتبرئة ساحة القاتل ببضع قرارات حزبية، تليها خطوات تقاربية في الخفاء، وهمسات في لقاءات عابرة يتناقلها غربان الظلام.

في المقابل، ما زالت دماء الضحية تنزف، وبصمات القاتل واضحة على الجثة، وأيادي المشاركين في الجريمة والمتواطئين مع القتلة ما زالت مدرجة بالدماء، ووصاياه الأخيرة لم يجف حبرها بعد، لكن الميراث الكبير «المؤتمر» أعمى عيون البعيد قبل القريب عن الحادثة وملابسات تنفيذها، وصولاً إلى الصراع المحموم والمنافسة المفتوحة للجميع لخلافة الشهيد، ولو كان أحد المتورطين في قتله.

في مثل هذا اليوم الـ4 من ديسمبر 2017م، اغتال الحوثيون المدعومون من إيران، الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وأعلن عبدالملك الحوثي في كلمة متلفزة، أن 4 من ديسمبر «استثنائي وعظيم وهو يوم سقوط المؤامرة الخطيرة التي استهدفت أمن الشعب اليمني واستقراره»، مشيراً إلى أن الاشتباكات والخلافات المستمرة مع علي صالح «مؤامرة جرى اسقاطها»، وأن جماعته كانوا يعلمون بوجود تنسيق بين الراحل، وقوات التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن.

كانت المليشيات الحوثية تتحين لحظة تصفية الحساب مع علي صالح، منذ اجتياحها للعاصمة صنعاء، أواخر 2014م، وسعت لتنفيذ مخططها مبكراً، ظهر ذلك في تصريحات بعض قياداتها وإعلاميها، لكن العزلة التي أصابتها والفراغ الذي أحدثته استقالة الرئيس هادي، وعدم رضوخه لضغوطها، وما تلى ذلك من قيادة السعودية لتحالف عسكري ضدها ودعم للشرعية، أجبر الجماعة على تأجيل مخططها والتراجع عن الإعلان الدستوري الذي شرعوا به لتسلم السلطة، واستهدفوا من خلاله أقوى ورقة بيد صالح وهادي، والمتمثل بحل البرلمان.

ونجحت حينها المليشيات في استقطاب بعض قيادات المؤتمر عبر حوارات فردية، واقترحت الشراكة مع الحزب في الحكم والرئاسة، وهي الجهود التي أفضت إلى تحالف المليشيات مع المؤتمر، وتشكيل مجلس رئاسة وحكومة مناصفة، على أن تكون الكلمة الفصل في السلطة الجديدة للبرلمان، الذي أعاده الحوثيون للواجهة كمشرع لانقلابهم.

وعبر شراكة ظاهرية، تمكن الحوثيون من التهام حزب المؤتمر وما تبقى لزعيمه من ولاء في الجيش والأمن والقبائل، تحت يافطة مواجهة العدوان، لينجحوا في تضييق الدائرة حول الزعيم واستئناف مخطط الانتقام، بوسائل أكثر دراماتيكية، وتشويق.

تنبه صالح لما يحاك حوله، واستشعر الخطر، لكن الحبل كان قد انقطع، وصارت الساحة حكراً للحوثيين وشعاراتهم وأفكارهم الطائفية، وقواعد الحزب وقياداته اصبحت تردد صرخاتهم، وتشاركهم القتال والتحشيد .

اغتالوا الزعيم عندما تحوّثنا

خيبة أمل

اعتزم صالح إطلاق شرارة الثورة ضد الحوثيين في 24 أغسطس 2017، لكن الحوثيين لجأوا للمراوغة والخبث، وطلبوا من زعيم حزب الله "حسن نصر الله"، التدخل لتخفيف التوتر بينهم وبين "صالح"، وبحسب المصادر المؤتمرية تدخل نصر الله وتمكن من إقناع صالح بوقف التصعيد، مقابل تعهده بإلزام الحوثيين بتنفيذ كل طلباته، ووقف كل الممارسات التي تستهدف المؤتمر.

كان نصر الله، وسيط رجح الكفة لصالح المليشيات، ليصيب التراجع في الوقت الأخير، قواعد وقيادات المؤتمر بخيبة أمل، ويأس من تغير الوضع المهان الذي أضحوا فيه تحت رحمة الحوثيين، تحدث بهذا العميد محمد علي عبدالحق، أحد الموالين لصالح وحزبه المنحدرين من الحيمة الداخلية، إحدى مديريات طوق صنعاء، قائلاً بنبره يائسة: «خذلنا علي عبدالله صالح.. كنا ننتظر منه موقفاً صريحاً ضد الأوغاد ذولا (يقصد الحوثيين) والناس منتظرون هذه اللحظة، لكن أحبطونا بالموقف الضعيف، والخطاب الضعيف للزعيم في ميدان السبعين، وكل من حضروا السبعين كانوا على استعداد لحمل البنادق ضد الحوثي، لكن ما حصل جعلهم محبطين، وأنا منهم».

العميد عبدالحق، كان في ذلك الحين من المتحوثين، حسب رواية صديقه الذي نشر تفاصيل محادثة دارت بينهما حينها، ليضيف على لسان صحابه «ما عاد معنا إلا نقاتل معهم».

الكثير من القادة العسكريين كانوا ينتظرون الفرصة للانقضاض على الحوثيين، ضمن مشروع وخطة متكاملة، وكانوا يعتقدون بما لا يدع مجالا للشك، أن لدى "علي عبدالله صالح" تلك الخطة، وأنه من المستحيل أنه لم يقم باحتياطاته، وللأسف كانوا جميعا مخطئين.

الخيبة أصابت الكثير من المحسوبين على صالح، بعد اكتشافهم أن الحوثي بات متجذّرا وقوياً، أكثر مما كانوا يعتقدون، وأن زعيمهم لم يغتنم فرصة انكشافهم وحقيقة تحوثهم وانخراطهم في صفوف المليشيات بدون قناعة، وهو ما حول أغلب المشاركين في مهرجان السبعين إلى تجمع هائل للمحبطين، مسهلاً بذلك استقطابهم وانخراطهم مع المليشيات كحل وحيد لبقاء اعتبارهم في المشهد السياسي والعسكري.

عزم الحوثيون اجتثاث صالح، بهذا صرح «أبو علي الحاكم» في تجمع قبلي لمشائخ وقيادات من حزب المؤتمر، ومشائخ طوق صنعاء، ويضيف مهدداً سينتهي صالح بعد أيام، وأنتم عليكم الاختيار بين النهاية معه، أو الاستمرار معنا في خندق واحد، معززين مكرمين، ولكم منا كل الدعم والاحترام.

أشار الحاكم في كلمته إلى موت صالح بعد فرض الحصار عليه في مربع نفوذه جنوب صنعاء، وتقييد ظهوره واجتماعاته، مؤكداً أن كل من يتواصل معه مرصود ومعروفة تحركاته وسكناته.

الظهور الأخير

في الثاني من ديسمبر ظهر صالح في خطاب تلفزيوني، معلناً الثورة على الحوثيين، ومطالباً التحالف بفتح صفحة جديدة مع اليمن ووقف العدوان، كان قبل ذلك قد ترأس اجتماعاً للجنة العامة للحزب، تحدث فيها عن بعض نياته وخططه وما ينوي الحوثيين فعله خلال نهاية الأسبوع، لكن المليشيات تفوقت عليه بخطوات وفق تصريح القيادي المؤتمري ياسر اليماني، الذي اتهم قيادات كبيرة في الحزب، بخيانة الزعيم، وإغلاق هواتفهم بعد ساعات من مشاركتهم بحماسة في التخطيط لمواجهة المليشيات، والسيطرة على مناطق نفوذها في صنعاء وعواصم المحافظات.

كانت المواجهة في بدايتها، لصالح المؤتمر وقوات الحرس الجمهوري الموالية لصالح، التي تمكنت من فرض سيطرتها على عدة شوارع في صنعاء، وسيطر أتباعه على مراكز محافظات ومديريات، قبل أن تنقلب الوضع عليهم ويتساقطون بشكل أسرع في بضع ساعات؛ لتكون عقوبات المستجيبين لدعوته القتل والاعتقال وتفجير المنازل، كما حدث في مركز محافظة حجة، أو الفرار والهزيمة كما حصل في ريمة والحديدة وإب.

انحصرت قوات صالح في محيط منزله، ودارت اشتباكات عنيفة عقب دقائق من مغادرة شيخ قبلي كان يقوم بالوساطة بين صالح والحوثيين، اتضح فيما بعد بحسب منشورات المؤتمريين أنه خائن للزعيم، إضافة إلى اتهامات موجهة لقيادات كانت حاضره معه في منزله ومنهم ياسر العوضي الأمين العام المساعد، ومحمد القوسي، والراعي، بحسب منشورات المؤتمرين أحدهم سام الغباري المتواجد حالياً في السعودية، والذي غرد في ذكرى مقتل صالح بالاتهام للعواضي والحديث عن تحشيده للمقاتلين لصالح الجماعة، وإعاقته لعمليات التحرير في البيضاء.

فبركات اللحظات الأخيرة

تمكن الحوثيون من اقتحام منزل صالح في الكميم، بعد قصفه بالمدفعية والدبابات، فر الكثير من حراسه ومات الأكثر على أسوار المنزل، تغلبت قوة السلاح الثقيل على الأسلحة المتوسطة، وتحدث حينها نشطاء عن خيانة مسؤول المخازن الذي رفض تزويد حراسة الراحل بالأسلحة وأبلغ الحوثيين بها، ليقتل الرجل بسلاحه السري، ويموت معه العديد من شجعان ورجال المؤتمر، وينجوا بحياته المتحالفون مع الحوثيين والخونة الذين باعوه بالمال، وتركوه وحيداً مع رفيقه الأمين العام للحزب عارف الزوكا.

لم تكتفي الجماعة بقتله بل فبركت رواية هروبه، بحسب ياسر اليماني، الذي أكد مقتله في منزله بالكميم، وأن المليشيات نقلته وحاولت تصوير مقتله وهو فار إلى سنحان.

قيادات ومنهم محاميه محمد المسوري، صرح كثيراً بوجود خونة وأنه يعرفهم، لكنه لم يكشف عن أي اسم من القائمة التي يهدد بكشفها بين الحين والأخر.

وفيما اكتفى ابن أخيه المقيم في بيروت بالتعزية في المصاب، كان مقربوه يشاركون الحوثيين احتفالهم بمقتله في صنعاء، ومنهم خطيب مسجده، وحمود عباد وأخرين نشرت صورهم، وتناقلها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

لم يطول الحديث عن الجريمة ومهاجمة مرتكبها سوى أسابيع، ليعتاد الناس بعدئذ بظهور قيادات المؤتمر مع الحوثيين، كشركاء حقيقيين في السلطة والجريمة، يتقدمهم يحيى الراعي وأبو راس، وأخرون كانوا من مقربي صالح.

مؤخراً ظهرت التبريرات والأعذار التي سوقها نشطاء للحزب، وموالون للحوثيين عن تلك القيادات المؤتمرية التي ما زالت تصافح القتلة وتشاركهم تقاسم السلطة، وبلغت تلك التبريرات ذروتها مع إطلاق المليشيات لنجلي صالح ونقلهم إلى عمان ثم إلى الإمارات، ضمن جهود قيل أنها بذلت من قيادات الحزب في صنعاء.

الأخيرة أصدرت قرارات بتعيين نجل صالح أحمد ونجل الزوكا، عضوين في اللجنة العامة، دون أن يصدر أي اعتراض أو رفض لتعيين من ابناء القتيلين.

جاء الإفراج عن نجلي صالح، بعد أيام من رفض الحوثيين الحضور لمشاورات سلام مع الحكومة في جنيف، كان من ضمن الملفات المطروحة فيها من الحكومة، المعتقلين من عائلة صالح وجثته التي ما زالت إلى اليوم في حوزت الحوثيين، رغم نشر مزاعم دفنها في مسقط رأسه بسنحان.

عام على اغتيال صالح

في ذكرى مقتله الأولى، غاب صالح بشخصه ورمزيته عن مخيلات قيادات الحزب وقواعده، كما غابت جثته المخفية عن أجندت الاجتماعات المشتركة بين القتلة والمتهمين بالخيانة، وصاياه الأخيرة بمقاومة الحوثيين وإسقاط انقلابهم واستعادة الدولة والتصالح مع الجيران والأشقاء، هي الأخرى غائبة عن خطاب المتحزبين.

مقام رئيس الحزب ، هو الشاغل الوحيد الذي تدور حوله اهتمامات المقربين منه وقاتليه على حد سواء، في حين تحضر وصاياه الأخيرة بقوة في مشهد العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش الوطني والشرعية ضد قاتليه ورفيقه، وضد قتلة أحلام اليمنيين وشبابهم.

وتبقى في ذكرى اغتياله أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات منها: من هم المشاركون في قتل وتصفية صالح من قيادات المؤتمر؟ وما هي الصفقة التي يحاول المتهمون تحقيقها بخصوص قيادة الحزب؟ من الخائن؟ وأين قيادات المؤتمر الموالية للشرعية مما يحدث؟ من ينقذ المؤتمر ويكرم جثة علي عبدالله صالح بالدفن؟.

 المصدر / أخبار اليوم