آخر الاخبار

من زغط الى زغط ومن بيت الى بيت..صراع الاجنحة الحوثية ينفجر وسلطان السامعي يتحدث عن حرب أهلية في مناطق جماعته :أنا وصلّت رسالتي والأيام بيننا قائد قوات الأمن الخاصة بمارب : مليشيا الحوثي الإرهابية تستخدم النساء والأطفال لزعزعة الأمن وسنقدم الدعم للشرطة النسائية عاجل .. السلطة المحلية بمحافظة مأرب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة منذ قرابة 3 أشهر ونستغرب تأخر الحوثي كل هذه المدة للتعاطي مع مبادرة فتح الطرقات عاجل: المليشيات الحوثية تقصف مديرية الوداي القريبة من الحقول النفطية بأحد الصواريخ الباليستية قائد القيادة المركزية الأميركية يلتقي بكبار القادة العسكريين السعوديين ويناقش معهم أبرز المخاوف الأمنية تحركات تجريها الرياض ولندن لوقف هجمات الحوثيين و سبُل إحراز تقدم في عملية السلام باليمن انهارت بعد فوز الملاكمة السعودية عليها.. شكاوي من المشجعين السعوديين والبطلة السعودية.. كيف استغلت مليشيا الحوثي أحداث غزة لضرب موانئ اليمن وانعاش موانئ سلطنة عمان.. . ميناء صلالة يطلق خيارات الخدمة البديلة لشركات الشحن كيف أثرت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي وغلاء الاسعار في اليمن؟ موقع أمريكي يكشف أساليب مليشيا الحوثي في نشر الجوع في سواحل اليمن وحرمان أكثر من 10 ألف صياد يمني من مصدر رزقهم

الحوثيون يدينون في صمودهم للعقيدة والإعلام والدعم الاجتماعي وهدايا السلطة

الجمعة 11 ديسمبر-كانون الأول 2009 الساعة 03 مساءً / مأرب برس - ناس برس - عبدالله السالمي
عدد القراءات 8691

لم يلفظ المتمردون الحوثيون أنفاسهم بعد، وما من مؤشر على أن الحرب ستضع أوزارها قريباً، مع كل ما قيل ويقال عن دنو ساعة الحسم، فصخب المعارك المحتدمة في شمال الشمال يكاد يوحي بأن قرابة أربعة أشهر مضت ليست إلا بمثابة الطفولة في عمر جحيم الحرب السادسة، وما بين الطفولة والشيخوخة وصولاً إلى أرذل العمر سيكون لسفه المراهقة وطيش الشباب ما يشتعل منه الرأس شيبا..

لماذا استطال أمد الحرب إذاً؟ وهل من تفسير مقنع للحالة التي بدا معها الحوثيون أبعد عن خيار رفع راية الاستسلام على الرغم من مضي شهر على اشتراك المملكة السعودية؟ ومن أين وكيف يستمد هؤلاء أسباب البقاء؟

تحضرني – كأي متابع – العديد من العناوين العريضة التي تصب في خانة الإجابة على هذه التساؤلات أو قريب منها، وعلّ أبرزها، حسب وجهة النظر الرسمية، كينونة الحرب وتموضعها الميداني أو استراتيجيتها المتمثلة في حرب العصابات من جهة، والدعم اللوجستي "الوافد" من خلف الحدود، وإيران على وجه الخصوص من جهة أخرى.. أما غير الرسمية فللناس فيما يعشقون مذاهب، ولكنها على كثرتها تلتقي على اتخاذ مقولة غموض الحرب وأسبابها منطلقاً لتخوين مؤسسة الجيش أو فريق منه حيناً، وافتعالها من قبل الحاكم كأزمة للتكسب وسواه حيناً آخر.. وفي خضم ما ظهر من لغط كهذا اتسعت الفجوة بين المراقب وبلوغ الحقيقة أو بعض مراتبها، وهو الذي كان منها ليس ببعيد.

* البعد الأيديولوجي وعقيدة الانتحار

 وبما لا يعني مطلقاً نفي إمكانية جواز أن من بين تلك القوالب الوصفية الجاهزة ما يصح اعتباره واحداً من أسباب استمرارية الحوثيين على تمردهم في مواجهة جيشين نظاميين فإن هذه التناولة لن تعرج على أيٍ منها، وعدى عن كونها، مع صحتها أو خطأها، عموميات تحاول من بعيد وصف الظاهرة الكلية فإن في التفاصيل التي لا يجدي معها إلا القرب ما يستحق الذكر أكثر.

إلى الأيديولوجيا الإقصائية المتطرفة التي أصل لها حسين بدرالدين يعود قبل كل شيء ثبات المتمردين الحوثيين واسترخاصهم لأنفسهم وأموالهم تلبية لنداءات الجهاد المزعوم.. لعلّ هذا العامل بمثابة الأصل أو المنطلق وما سواه مقومات فرعية أو عارضة.. وصحيح أنهم في تموضعهم الأخير قد انطووا على أناس لا يلتقون معهم إلا في معطى التمرد ومشاركتهم القتال في مواجهة الدولة إلا أن المكون العقدي لم يزل لدى الغالبية منهم سبباً وحيداً وكافياً للاندفاع صوب خوض غمار الحرب والاستماتة في القتل والقتال.

وبما لا يبعد بهم عن الجماعات الأصولية المسلحة – ذات الصلة بمسمى الإسلام أو المسلمين – تصدر جماعة الحوثي عن منهجية تكفيرية تحصر الحق الديني في دائرة ضيقة لا تتسع مع حسين الحوثي والقائم من إخوانه إلا للذين يتماهون معهم ويذوبون فيهم، أما غيرهم فإن لم يكونوا كفاراً قد استبان إلحادهم أو شركهم فمنافقين، وعدى الوجهات الثلاث لا خيار.

وعلى كلٍ فليس هذا موضوعنا إلا بمقدار ما يكفي للربط – وهو واضح – بين ما عليه الحوثيون عقائدياً واستطالة بقائهم في دائرة الحرب، أو ثباتهم على امتداد الكثير من أقطارها.. وهنا فإن غض الطرف عن هذا المكون الرئيس والذهاب وراء توصيفات، مع صحتها، لن تعدو كونها ثانوية تابعة من شأنه التساهل أو التغافل عن أهمية استحضار أو خلق المعادل الموضوعي لخوض المعركة من قبل السلطة في اليمن بالذات، ليس عسكرياً فحسب وإنما إعلامياً وتعليمياً كذلك، وهذا المعادل الموضوعي لن يتحقق بالضرورة إلا في شكل عقيدة أو ثقافة أو أيديولوجيا تجسد الهوية الوطنية على أوضح ما يكون من صور التسامح والعدل والحرية والمساواة، كأضداد لأصولية الحوثي وسواه، وبما يضمن تشارك الجميع في ظل ثبات الهوية الجامعة – وليس العسكر لوحدهم – همّ الدفاع عنها والاستماتة في القضاء على كل ما يفت بعضدها.

هل يمكن الحديث عن تحققٍ ولو جزئي لهذه الهوية؟ هذه، إذاً، هي المفارقة، وبشيء من المقارنة بين بعض مكونات طرفي المعادلة قد تتضح الرؤية.

وما من شك أن السعي وراء المال والربح المادي ليس دافع غالبية المتمردين الحوثيين في إقبالهم على الموت على شاكلة الانتحار الجماعي التي لم تزل تشهدها ساحات المعارك الطاحنة في صعدة وحرف سفيان، إذ كيف يمكن لباحث عن مال، قلّ أم كثر وبأية عملة كان، الزج بنفسه راضياً في دهاليز موت محقق؟! وكذلك الحال بالنسبة لتنفيذ أجندة الآخر داخلياً كان أم خارجياً، ووحده المكون العقدي الذي يملي على الحوثيين ما يعتبرونه أداءً لفريضة الجهاد، ويزين لهم القتل، ويحسبون معه أنهم قاب قوسين أو أدنى من الجنة ونعيمها لولا البرزخ.. ومثل هؤلاء إن لم يستعجلوا الموت أو يطلبونه ألن يستسهلونه على الأقل؟!

إذاً فهي الأصولية الإقصائية والعقيدة المتطرفة، أما طلب المال أو الجاه لذاتهما، أو الارتهان للآخر ابتداءً واقتصاراً عليه أو إشراك غيره معه، أو أي من تلك الأسباب فلن تصدق إلا على عبدالملك الحوثي وأصفيائه، وقد لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين.

* محددات أداء الجيش وإرباك "البشمركة"

هذا عن المرجعية العقدية لدى المتمردين الحوثيين وانعكاساتها في أدائهم الانتحاري المخيف، فماذا عن الطرف الآخر صاحب الشرعية الدستورية والوطنية، الأمنية والدفاعية؟!

من المسلم به أن مدى ارتفاع الروح المعنوية والأداء القتالي لدى قوات الجيش يتوقف على استيضاح الأهداف والإيمان الكامل بها. واستبسال أبناء القوات المسلحة والأمن حدّ استرخاصهم لأنفسهم في معركة الدفاع عن هيبة الدولة وسيادتها مرهونٌ بقدرة الجهاز المؤسسي- المدني والعسكري- على تأكيد استطالة الثوابت الوطنية من العدالة إلى التنمية في الوجدان الجمعي، بما يعني وضع تمرد الحوثي في خانة استعداء وطن ينعم الجميع - بالفعل لا بالقول – بخيراته على السواء، الأمر الذي سيستشعر معه الكل - إن تم على هذه الشاكلة - خطورة ما سيئول إليه الوضع في حالة استشراء داء التمرد واستفحال الفتنة، ومن الطبيعي والأمر بهذه الخطورة، أن يهب المدنيون فضلاً عن العسكر، للدفاع عن وجود يتشاركون في تهديده بذات الوتيرة التي ينعم الجميع فيها بخيراته على قدم المساواة.. فهل يمكن الحديث – عملياً - عن شيء من هذا القبيل؟!

لعلّ اختلال شوكة الميزان في هذا السياق مما لا يحتاج إلى دليل، ولنأخذ كمثال بسيط معاناة كثير من أسر شهداء الحرب في صعدة، أو الجرحى منهم وهذا يكفي!!

ثم لا يمكن هنا تناسي الجيش الشعبي "البشمركة" وخلفية تشكيل مكوناته المتناقضة ثم تبعات خوضه المعركة في مختلف جولاتها.. وعدى عن عقلية الفيد والنهب فإن ما يصدر عنه القبائل من خلال مشاركتهم الجيش في مواجهة المتمردين الحوثيين ليس سوى تصفية الحسابات القبلية القبلية في أحسن الأحوال.. وحيلولة الحوثيين في مديرية حرف سفيان دون فتح طريق صنعاء عمران صعدة وليدة حضور هذا العامل القبلي على أشده.

يمثل الصراع المتقادم على "حد السواد" حجر الزاوية.. فقبائل "سفيان" من "بكيل" التي تنازعها ملكية هذه الأرض "العصيمات" من قبيلة "حاشد" هي العنصر الفاعل في تأخر الحسم وتجاوز الجيش ما أعلن مراراً السيطرة عليه في هذه المديرية، ومع تعاضد المكون العقدي لدى الحوثيين مع القبلي المتمثل في العرف القاضي باسترخاص الموت دفاعاً عن الأرض لدى "السفيانيين" لم يحقق للجيش مع قبائل حسين الأحمر الكثير من التقدم، والسبب ببساطة شديدة أن القبائل في صف الجيش ليسوا على أهدافه ولا يعنيهم في شيء تحقيق النصر على الحوثيين بقدر السيطرة على "حد السواد" وانتزاعها من قبائل سفيان، أو الثأر منهم بأية وسيلة.

ومع أن القبائل لن يخرجوا صفر اليدين من ركوب موجة حرب الدولة في مواجهة الحوثيين، إلا أن ذهابهم مع موجة الحرب وبها إلى حيث لا تريد السلطة أمر محقق، وعلّ وقوف المعنيين في الدولة على حقيقة أن استرخاص الدماء دون التفريط في الأرض ليست بعيدة من عنفوان عقيدة الجهاد الحوثية هو الخطوة الأولى لتحقيق تقدم حقيقي بحرف سفيان.

* الحاضن الاجتماعي.. المكونات والأسباب

المؤكد أن تمرد الحوثي لم يتم بمعزل عن محيط اجتماعي أثر فيه وتأثر به، وخلال السنوات الخمس الماضية على الأقل انضاف إلى صفوف المتمردين عدد ليس بالهين، يمثل أفراده مناطق مختلفة في صعدة، ليست المحافظة عن بكرة أبيها بالتأكيد ولكن التنوع الحوثي على مستوى الأفراد والتواجد المكاني شمل الكثير من مديرياتها وعزلها وقراها.

وما من شك فإن الوافدين من المحافظات المجاورة وسواها إلى جماعة الحوثي يمثلون نسبة كبيرة، وهذا لا ينفي عن صعدة كونها المعنية أولاً بهذه الظاهرة، غير أن محاولة تصوير "الصعديين" كما لو كانوا، أو معظمهم، حوثيين تجن كبير وسافر، ومع أنه لا يمكن تحديد النسبة الدقيقة لما يمثله أبناء صعدة قبالة الوافدين في الإجمالي الكلي للحوثيين الذين يعدون بالألوف إلا أن بلوغهم النصف مشكوك فيه. وعلى كلٍ يبقى المحيط الاجتماعي والجغرافي الذي يتحرك فيه الحوثيون بصعدة على اختلاف مناطقهم ومحافظاتهم هو جوهر الموضوع هنا. إن للحاضن الاجتماعي في قدرة المتمردين الحوثيين على المناورة والمواجهة وتأكيد الوجود دوراً لا يمكن تجاهله. وبعبارة أخرى فثمة قاعدة - لنسمها تجوّزا شعبية - يتكئ عليها الحوثيون ويضمن لهم التواجد خلالها هذا المستوى من الحضور والفاعلية واستمرار الثبات. وعكس تقرير خيانة هذا النوع من الحاضن الشعبي أو القاعدة الاجتماعية يتوجب التساؤل عن مكوناتها وأسباب تشكلها ومئالاتها.

وعن كل ذلك ابتداءً بالمكونات يتحرك الحوثيون في محيط اجتماعي قد لا يمثل لهم العمق بقدر ما يعطيهم صفة الشعبية أو الأهلية التي تحقق لهم قدراً من التخفي والتستر وممارسة لعبة الكر والفر، فضلاً عن الاحتماء والاستناد وشيئاً من التمويل والمواساة. وعلّ هذا المحيط الاجتماعي، أو القاعدة الشعبية، أو الساحة الأهلية، لا تعدو ثلاث مكونات أساسية، أولاها: أهالي الحوثيين وذويهم ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً. ومعظم القادرين على حمل السلاح من الرجال في هذا الفريق لا يغادرون مواقع القتال. وثانيها: غالبية مغلوبة على أمرها تداري الحوثيين خوفاً من سطوتهم بعد مشاهدتها لتجارب لم تول فيها السلطة ضحايا الانتصار لها شيئاً من الاهتمام، أو أدناه. أما الثالث: فهم الذين قد يدفعهم استياؤهم من تصرفات السلطة وأخطائها هنالك إلى أبعد من التزام الحياد معها. وباستبعاد المكون الأول، كون اتخاذ أفراده وجهتهم تلك وليد القناعة بصوابية عقيدة التخندق في معسكر الحوثي، فإن تشكل ما سواه في الثاني والثالث يعود الفضل في معظمه إلى السلطة ذاتها، أو لنقل ممارسات رجالاتها ومسئوليها هنالك، وفي السلطة المحلية على وجه الخصوص.

* جزاء استعداء التمرد

على مدى السنوات الخمس الماضية في حرب الدولة مع المتمردين الحوثيين تكرست لدى قطاع واسع من المواطنين في محافظة صعدة قناعة أن السلطة عن المواطنين الصالحين أبعد. ومفردة "الصالحين" هنا، على جواز استخدامها، ليست على إطلاقها، وإنما نشير بها إلى معنى خاص يتوجه للذين يقفون على النقيض من المتمردين، أو المجاهرين بمعاداة الحوثيين واستنكار مسلكهم بالذات.

ويكفي هنا ذكر أن مواطنين ينتمون لمناطق مختلفة من صعدة قد خسروا باستعدائهم الحوثيين، فضلاً عن أرواح بعض ذويهم، أموالهم ومساكنهم وديارهم، ولم يزالوا حتى اللحظة في منأى عن عطف السلطة ورحمتها وعدالتها، في الوقت الذي يملأ الآذان صخب رعايتها – أي السلطة – وكبير اهتمامها بيهود "آل سالم".

وهذا التعاطي تجاه "الأقلية" اليهودية، مع صحته وفساد الاعتراض عليه، لا يبرر للسلطة غضها الطرف عن "الأكثرية" من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن سياسة استعطاف واستمالة المؤلفة قلوبهم، وتجار بيع المواقف في المزاد العلني، والذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، بالطريقة التي انتهجتها السلطة في صعدة مع بعض رجال القبائل لن تؤدي إلا إلى مزيد من مشاعر الإحباط لدى الذين يسوؤهم التمرد ويتمنون زواله، ووحدهم الحوثيون هم الذين سيجنون ثمرة إمعان السلطة، أو بعض أجهزتها، في هذا المسلك.

* أوزار الحرب.. نزوح طي الكتمان

وعلى صلة وثيقة بما سبق تبرز معاناة النازحين في صور مأساوية لا يمكن أن تخطئها عين. ومرة أخرى: لن تضع الحرب أوزارها.. وأوزارها التي يمكن لها التخفف منها ليست سوى اتخاذ وضعية استراحة المحارب، أو التوقف عن الاحتطاب إلى مواقد النيران اكتفاءً بما فيها إلى حين. أما وزرها فقد ألقت بثقله الخانق وعبئه الطويل، ظلماً وجوراً، على أناس من صنف الذين يدفعون عادة ثمن الحروب وكلفتها الباهظة، هنا وهناك وهنالك.

لا يمكن الوقوف على كارثية النزوح عن جحيم الحرب في صعدة وحرف سفيان إلا بتجاوز مخيمات النازحين في عمران وحجة ومدينة صعدة، وبما لا يعني إطلاقاً التقليل من خطورة الأوضاع المأساوية في تلك المخيمات ذاتها فإن في قصص من لم تستوعبهم، أو لم يلجئوا إليها تحت وطأة العديد من الأسباب، كشفاً لمسكوت عنه يحرص كثيرون على أن يظل كذلك، إمعاناً في قصر فتات المعونات على المتواجدين في بضع مخيمات، والاتجار بالفائض!!

ومع القطع بأن سكان صعدة – كحد أدنى – قرابة ثلثي مليون، وأن نار الحرب طالت معظم مديريات المحافظة وذات الكثافة السكانية منها بالخصوص، فإن الحديث عن نازحين دون نسبة الثلث من الإجمالي العام لسكان المحافظة اجتهادات تنقصها الدقة أنى كان مصدرها، أما أين وكيف استقر الحال بهذا العدد الهائل من النازحين، باستثناء الذين لجئوا منهم إلى المخيمات أو نصبت لهم، فتكفي الإشارة على سبيل المثال إلى مديرية "الحشوة" في الشرق من المحافظة التي مثلت الملجأ الأنسب لمئات من الأسر كان يسكن أفرادها "قاع صعدة" الممتد على ثلاث مديريات تشمل مع مركز المحافظة مديريتي "سحار" و"مجز". وكذلك النزوح خارج صعدة وبالذات إلى محافظة صنعاء وأمانة العاصمة، ففي الأخيرة تتواجد مئات الأسر، وربما أكثر من هذا التقدير، والمؤكد أن العدد في طريقه إلى الارتفاع.

ومهما يكن فإن الإشارة إلى أماكن أخرى يتواجد فيها النازحون غير المخيمات ليست مقصودة لذاتها، وإنما لما يترتب عليها من السؤال عن تجاهل إيصال المعونات الإنسانية إليها، فعلاوةً على أن النازحين في المخيمات لا يكادون يحصلون إلا على فتات قوافل الإغاثة المحلية منها بالذات، فإن النازحين في غيرها، مثل المناطق المشار إليها سلفاً على سبيل المثال، ليس لهم في المعونات الإنسانية أنى كان مصدرها ونوعها أي حظ من قريب أو بعيد، على الرغم من علم الجهات المعنية بأماكن تواجدهم وسهولة الوصول إليهم!!

 

والسبب إن لم يتمثل في كون إغاثة النازحين ليس الهدف الأساسي بقدر إضفاء صبغة الاصطفاف الشعبي على مواجهة الحرب وتداعياتها صورياً على الأقل ، فإنه لن يخرج عن أسلوب الإهمال المتعمد والتجاهل المقصود الذين ضمنت معهما الجهات المعنية عدم الاستشكال عليها ومساءلتها بهذا الخصوص، طالما ومعاناة النازحين من هذا النوع لم تزل طي الكتمان وبعيداً عن حديث الإعلام.

* وجهة قوافل الإغاثة

وبالاقتصار على قوافل الإغاثة الشعبية، التي يتم تسييرها من مختلف محافظات الجمهورية ومديرياتها بأعداد مهولة، فقد كان يمكن لها أن تشكل لمعظم النازحين الكفاية أو قريباً منها في جوانب معينة أبرزها الفرش والأغذية، بحيث يصب إسهام منظمات الإغاثة الدولية في الجوانب الأخرى سعياً للتكامل وتنسيقاً للجهود والقدرات والإمكانيات، فلماذا لم تتم المسألة على هذا النحو؟!

من خلال الشعارات واللافتات المصاحبة لقوافل الإغاثة تلك أول ما يتبادر إلى العين والذهن وجهتها المقصودة بالجيش، ذلك أن ورود مفردة النازحين كوجهة ثانية ليس نصيفاً وإنما ثانوياً، هذا بالإضافة إلى أن بعض مسيري، أو منظمي، القوافل يحرصون على البلوغ بها إلى حيث يعسكر، لاسيما في محوري الملاحيظ وحرف سفيان، قادة لهم وزنهم الثقيل في القوات المسلحة والأمن.

وبصرف النظر عن أي الفريقين أوجب للاستحقاق الأوّلي للإغاثة والمعونات الشعبية الجيش أم النازحين، أو على حدٍ سواء، فهل يمكن تصور استفادة الجنود المرابطين في جبهات القتال من الفرش والبطانيات التي تزخر بها القوافل؟! ثم على افتراض أن كل ما للجيش يصل للجيش ويفيد منه!! فما حظ النازحين من تلك المعونات؟ وعن أية نسبة يمكن الحديث عن وصولها إليهم؟!

* اختلاف شركاء الإثم

ربما لم تزل تصريحات صحفية لنواب في البرلمان عن بعض دوائر صعدة مضرب المثل في الطريقة التي يتم التعامل بها مع قوافل الإغاثة الشعبية والمعونات الإنسانية، لاسيما وأن بعض تلك التصريحات التي تحدثت عن بيع مسئولين للمعونات والتلاعب في توزيعها جاءت في وسائل إعلام الحزب الحاكم ذاته، وبأخذ قافلة أو اثنتين وصلتا المحافظة مثالاً يمكن الوقوف على شيء من ذلك. لقد نشب إثر وصول المعونات عاصمة محافظة صعدة خلاف بين بعض مسئولي السلطة المحلية هنالك من جهة والنواب في البرلمان من جهة أخرى بلغ حد الاحتراب وتبادل إطلاق النار، وفيما لم يكن النازحون محور الخلاف بين الفريقين المتصارعين، إذ لم يكن أحدهما ينشد العدالة في توزيع المعونات على النازحين والآخر يرفضها، فإن الاستحواذ على النصيب الأكبر من الكعكة هو الباعث الحقيقي، وإن تمترس الطرفان خلف حق النازحين الضائع.

إن ما ظهر من خلاف بين رموز السلطة المحلية في صعدة ونواب عن المحافظة في البرلمان يعود إلى اجترار الخلاف القبلي وتصفية الحسابات التي خلفتها انتخابات المحافظين بالخصوص، أما معونات النازحين فإنها توزع في النهاية لمشايخ وأعيان القبائل على أسس توافقية قوامها التحالف القبلي والسياسي، وليس مهماً أن يقوم أولئك المشايخ بتسليم المعونات للنازحين لأنها ليست عهدة بنظرهم – أي المشايخ – وإنما هدايا السلطة المحلية لهم!!.

والأدهى أن بعض منظمات الإغاثة الدولية الناشطة في صعدة لم تسلم هي الأخرى في أدائها الإنساني من اجترار الصراع القبلي القائم والاحتكام إليه تبعاً للقائمين عليها، ولهذا السبب هناك منظمات ذات طابع مناطقي أو عشائري تقصر اشتغالها الإنساني على نطاق معين، ولا يمكن لها أن تستهدف من يقعون خلفه وإن كانوا أولى، وفي أداء منظمة الإغاثة الإسلامية وكذلك الهلال الأحمر المثال الأوضح.

ومن كل ما تقدم ممّا يلامس معاناة النازحين يمكن الوقوف ببساطة على مدى تأثير هكذا أخطاء في سيرورة الحرب، سلباً على توافر مقومات الإجماع الشعبي إلى جانب الدولة، وإيجاباً برفد الحاضن الاجتماعي للمتمردين الحوثيين ومدهم بمزيد من المحبطين الناقمين على السلطة.

* سمات الإعلام الثابتة ونقائض الدولتين

ثم نأتي إلى ثالثة الأثافي.. وهي أن المتمردين الحوثيين، وبالقدر الذي ظهروا به في القتال عصيين على الانسحاب أو الاستسلام، برعوا في إدارة المعركة إعلامياً كذلك، وكما لم يشل حركتهم ويقض عليه وضعهم ميدانياً بين فكي كماشة الجيشين اليمني والسعودي يكاد يتفق مراقبون على تفوق إعلام الحوثي في مهارات خوض المعركة نظير أجهزة إعلام دولتين على ضخامتها لم تكن في المستوى المطلوب.

ولإلقاء الضوء على أبعاد ما يلعبه إعلام الحوثيين من أدوار تأتي في سياق توسيع رقعة الحاضن الاجتماعي للتمرد وثبات أفراده عليه تجدر الإشارة إلى تزاوج المرجعية العقدية لدى الحوثيين بالتعاطي مع الإعلام المضاد رفضاً، والموافق قبولاً. فمن المسلم به أن قادة الحوثيين – وبرز ذلك جلياً لدى عبدالملك – قد عملوا على غرس قناعة لدى أتباعهم مفادها أن الإعلام المضاد، بما في ذلك غير المتعاطف وحتى المحايد، مهما كانت دقة مصادره لا ينطوي إلا على التضليل والأكاذيب، ووحدها المصداقية لصيقة مكتبه الإعلامي والناطقين باسمه، ومن وما يتماهون معه من الإعلاميين والوسائل الإعلامية.

ومع أن هذا ينهض سبباً يكفي لرفض الحوثيين والموالين لهم كل ما يصدر خارج دائرة إعلام القائد الميداني للجماعة فإن الفضل في تكريس هذه القناعة لدى أبعد من محيط المتمردين والموالين لهم والمتعاطفين معهم يعود إلى ضعف أداء الإعلام المضاد، واشتماله على نقائض يسهل للمتابع العادي الوقوف عليها، ونفي الصحة والمصداقية عنها دون أدنى تردد.

وربما لا يدرك القائمون على الإعلام الرسمي في اليمن والسعودية أن وسائلهم في جوانب عديدة من تناولاتها الإعلامية ذات الصلة بالحرب تخدم الحوثيين بما يفوق إجمالي الضرر الذي تلحقه بهم تغطياتها الإعلامية وبرامجها الإخبارية وتقاريرها مجتمعة، غير أن الإدراك من عدمه لن يغير شيئاً من حقيقة الخدمة المجانية التي سيتندر الحوثيون معها بكرم خصومهم أو سذاجتهم، ولا فرق.

وللتمثيل ليس إلا فإن الإخبار في التلفزيون اليمني بزواج المتعة كسلوك يمارسه الحوثيون فيما بينهم ويكرهون غيرهم عليه، مع علم الناس في المحيط الاجتماعي والجغرافي الذي يتواجد فيه المتمردون ببطلان هذه الدعوى، إن لم ينسحب على نفي مصداقية ما يتضمنه التلفزيون اليمني والوسائل الإعلامية الرسمية الأخرى في المطلق فعلى الأقل سيشكك في صحة ما يتعلق بالحرب على المتمردين الحوثيين، أو وصف ما هم عليه بالذات. هذا مع أن ما تضمنته شكاوى المواطنين في التلفزيون اليمني من ممارسات الحوثيين، عدى زواج المتعة، صحيحة في مجملها، وقد كان عن إيراد مثل هذه الدعوى أغنى.

وكذلك الحال بالنسبة للحديث عن سيطرة الجيش على مناطق كانت في أيدي المتمردين وتطهيرها منهم، ثم العودة مرة وأخرى وفي أوقات لاحقة للإخبار بالسيطرة عليها وتطهيرها!! أما الجهة التي تجني ثمار هذا التناقض وتشتغل عليه لتعزيز مصداقيتها إعلامياً وثباتها ميدانياً فهي أوضح من أن توضح.

وليس الإعلام السعودي من ذلك ببعيد في المقدمات والنتائج، وكما لم يكن أحسن حالاً في أدائه من حليفه اليمني الرسمي، فضلاً عن احتشاده وراء العديد من النقائض السافرة والتحايل على البديهيات، فإنه سرعان ما مكن الحوثيين من استغلال ركاكته وتناقضه وارتجالية صنيعه الإخباري للذهاب بالمتلقي إلى التندر بمواده الإخبارية ذات الصلة بحرب صعدة. ويكفي هنا استذكار كم مرة أكدت فيها مصادر رسمية سعودية عبر وسائل إعلامها مقتل الناطق الرسمي باسم الحوثيين الذي يقوم بنفسه، ومن خلال الاتصال الهاتفي مع قنوات فضائية إخبارية، بإثبات أنه ما يزال حياً بعد كل إعلان سعودي عن مقتله.

* خلاصة الخلاصة

وبعد.. فإن في صرامة عقيدة "الموت" الحوثية، إلى جانب فضل أخطاء السلطة في توسيع رقعة الحاضن الاجتماعي للمتمردين، بالإضافة إلى انعكاس تخبط السياسة الإعلامية الرسمية – اليمنية والسعودية – على إذكاء الشعور لدى الجمهور بأن الحوثي صعب المراس.. كل تلك العوامل كفيلة، عن ما سواها، بتفسير ما ينطوي عليه تأخر الحسم العسكري في مواجهة المتمردين الحوثيين، على افتراض إمكانية تحققه أصلاً. وفي تفاصيل كل ذلك خفايا دون كشفها يحول جدار من اليأس تفننت في تشييده السياسة الرسمية على قاعدة "قل ما تشاء ونحن نفعل ما نريد".

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن