العراقيل أمام الحوار قائمة، ولا ضمانات لنجاحه

الخميس 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 الساعة 08 صباحاً / مأرب برس - عزت مصطفى
عدد القراءات 4223

 بعد كل قطيعة، وجولات من المهاترات والاتهامات بينها، دائما ما يدعو طرف سياسي الآخر إلى طاولة الحوار، ليبدأ ممثلو الأحزاب اليمنية نقاشاتهم جالسين على الأرض. في الواقع لا طاولة تتوسط حوارات قادة الأحزاب هنا، إذ تنظم معظم اللقاءات بين الحكم والمعارضة في مقيل قات تحتويها غرفة مجلس عربي مفروشة أرضاً. مضغ القات كعادة يمنية تبدو مقترنة بالحوار غير المفضي إلى نتائج الذي يشكل "عادة يمنية" هو الآخر. قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة ايلول/سبتمبر 2006م ، خاض فرقاء العمل السياسي اليمني حواراً كاد ينتهي بالفشل، إلا أن ضغط المعارضة التي لوحت بمقاطعة الانتخابات ولم تكن قد أعلنت بعد عن مرشحها للرئاسة، أنهى الحوار بنتائج تمخضت عن توقيع وثيقة لضمان نزاهة انتخابات 2006م، مؤجلة النقاش حول المواضيع الأخرى إلى مرحلة ما بعد الاستحقاق الرئاسي؛ ورغم مضي أزيد من عام على فوز الرئيس علي عبدالله صالح بفترة جديدة، لم يبدأ النقاش المؤجل حتى الآن.

السنة الفائتة تناوب أمينا عام المؤتمر الشعبي (الحاكم) والحزب الاشتراكي (معارض) على استضافة لقاءات الحوار في منزليهما، وشهدت غرفة استقبال الضيوف في منزل الدكتور ياسين سعيد نعمان (أمين الاشتراكي) معظم اللقاءات.في غرفة لا تتجاوز أبعادها أربعة أمتار في خمسة، كان السياسيون يمضغون القات جلوساً فوق فرشٍ أسفنجي سمكه حوالى 20سم، ليناقشوا مستقبل أزيد من عشرين مليون يمني؛ ظلوا ينتظرون في الخارج نتائج اجتماعاتهم التي اكتفت بالاتفاق حول الخلافات الآنية المترتبة على الاستحقاق الانتخابي.

خلال الأسبوع الجاري يتوقع أن يستأنف الطرفان حواراتهما رسمياً، وسط ضبابية تكتنف إمكانية نجاح الحوار من عدمه، إذ مضى الطرفان كل في طريق منذ أن لاحت دعوة الحوار؛ مختلفين حول موضوعاته، قبل أن يجتمعا في عدن بداية الشهر الجاري. في تشرين الأول (أكتوبر) المنقضي، أصر حزب الرئيس على أن تقتصر حواراته مع أحزاب "اللقاء المشترك" (تكتل المعارضة) حول مشروع مبادرة رئيس الجمهورية لتعديل الدستور التي أطلقها نهاية أيلول (سبتمبر)، فيما تمسكت المعارضة باتفاق سابق مع الحزب الحاكم حدد قائمة مواضيع الحوار.

في الفترة 2-10 تشرين الثاني (نوفمبر) هذا، التقت الأحزاب الممثلة في البرلمان في مدينة عدن لتتفق على عودة الحوار مجدداً الذي ستعقد جلساته في العاصمة صنعاء؛ ربما هذا الأسبوع، جدول المواضيع شمل مطالب المعارضة والحزب الحاكم، إذ أورد البند الأول من محضر عدن الأخير الإقرار بالالتزام على ما اتفق عليه في وثيقة قضايا وضوابط الحوار الموقعة في حزيران (يونيو) هذا العام، وأضاف المؤتمر الشعبي العام إليها مطالبه بإدراج النقاش حول التحول في شكل النظام السياسي من البرلماني إلى الرئاسي بحسب المشروع الأخير لمبادرة التعديلات الدستورية .

ورغم أن التوافق على أجندة القضايا الحوارية تم بضم مطالب الحكم والمعارضة معاً، وتخلي الجميع عن اشتراطاتهم باقتصار الحوار على المواضيع التي يحددها، جاء إدراج المؤتمر الشعبي العام لبند الحوار حول تغيير طبيعة النظام السياسي ليناقض كلية المشروع السياسي لـ "أحزاب اللقاء المشترك" يصعب تخليها عنه.

تكتل المعارضة اليمنية أطلق في أيلول (سبتمبر) 2005م مشروعه لإصلاح النظام السياسي، ليعلن قادة الأحزاب المنضوية في تكتل "اللقاء المشترك" أن ما حوته وثيقة مشروعهم هو برنامجهم للعمل السياسي المستقبلي، إن أهم النقاط الواردة في تلك الوثيقة التي تعتبرها المعارضة تاريخية بالنسبة لها، شدد على التمسك بالنظام البرلماني؛ مطالباً باستكمال مقوماته على اعتبار عدم إمكان التخلي عنه كشكل للنظام السياسي في اليمن، فيما يظهر أن المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) لن يتنازل عن خياره في تعديل شكل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي بحسب مشروع الرئيس علي عبدالله صالح الأخير.

يبدو أن القضية التي استطاع الحزب الحاكم إدراجها ضمن أجندة الحوار ستعصف بالحوار كاملاً، فلا يبدو أن المعارضة سترضى بغير النظام البرلماني، ولا المؤتمر سيتخلى عن تمسكه بالتحول إلى الرئاسي.مشروع التعديلات الدستورية الذي أعلنه الرئيس صالح أواخر أيلول (سبتمبر) الفائت لم يكن الأول، إذ سبق أن تقدم لمجلس النواب بمشروع تعديلات على الدستور قبل أزيد من سنة، إلا أنه سحبه بهدوء من تحت قبة البرلمان قبل نقاشه؛ وكأن المشروع لم يقدم في الأصل.

مشروع التعديلات الأخير جاء محاكياً لسابقه، إلا أنه أضاف تحويل النظام السياسي إلى رئاسي، وهي القضية الجوهرية التي ستعلق في سقف الحوار بين الفرقاء كخلاف ربما لن ينتهي إلى حل وسط في ظل تمسك الأطراف بمواقفها التي تعتبرها مشروعها أمام جماهيرها.ورغم أن هذه القضية لم تبرز بعد كمسمار صلب يدق فوق طاولة الحوار، يظل مشكل ولوج التفاوض بين المعارضة والسلطة مشوباً بتوجس الآخر من عدم جدية الخصم في السير بحوار هادئ إلى النهاية؛ قائماً بقوة.

إلى وقت قريب ظل الحزب الحاكم يتهم المعارضة بعدم جديتها في مفاوضته، من جهته قال الناطق الرسمي باسم "أحزاب اللقاء المشترك" المعارضة لـ "إيلاف"، بعد توقيع محضر عدن قبل أيام: "العراقيل أمام الحوار ما تزال قائمة، ولم نلمس من الرئيس أو غيره نيتهم الدفع بالحوار إلى الأمام".وأضاف محمد الصبري: "الحزب الحاكم لديه مشاكل كبيرة، وهو يتحمل المسؤولية إذا ما فشل الحوار؛ باعتباره الممسك بزمام السلطة، كما أنه ملزم –يقصد المؤتمر- هو وقياداته بالحفاظ على الحوار كقيمة يجب أن ألا يتخلى عنها أطراف العمل السياسي".وأوضح الصبري في اتصال مع "إيلاف" أن الحوار لم يبدأ بعد وأن لقاءات عدن لم تعد كونها جلسات تشاور اختتمت بمحضر، إذ قال: "ما يزال الإعلام الحكومي لا يفرق في تناولاته بين جلسات التشاور والحوارات الرسمية"، معتبراً أجهزة الدولة وإعلامها من أهم المعيقات في طريق الحوار.

وعن سؤال حول إمكانية نجاح جلسات الحوار الأخير الذي اتفقت الأحزاب في عدن على خوضه؛ يقول الصبري: "لا توجد ضمانات لنجاح الحوار، إلا أن "أحزاب المشترك" لا تعده أداتها الوحيدة للعمل السياسي"، مضيفاً: "إن الضمانات التي تتوفر لدى المعارضة هي برنامجها الميداني"، مؤكداً أن تكتل المعارضة سيستمر في تنفيذ الاحتجاجات السلمية والاعتصامات في مختلف المحافظات اليمنية، و(الدفاع عن قضايا الناس) حسب إفادته في ختام تصريحه.

القضية الملحة حالياً إذا ما التقى أطراف العمل السياسي، تتمثل في إصلاح النظام الانتخابي، وهي القضايا المتعلقة بتعديل قانون الانتخابات، وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء التي انتهت فترتها القانونية أمس الأول، ويتوقع أن تقدم لجنة قانونية شكلتها الأحزاب قبل أيام مشروعها لتعديل قانون الانتخابات لأول جلسة حوار، إذ يتوقع أن تؤجل الإجراءات الدستورية لتشكيل لجنة انتخابات جديدة إلى ما بعد إقرار مشروع قانون انتخابي جديد أيضاً، ربما يتضمن ما سبق أن اتفقت الأحزاب عليه في حوارات العام الماضي؛ بتشكيل اللجنة من قضاة لا تقل درجاتهم عن قاضي استئناف.

وكما كان الوصول للجلوس على طاولة التشاور الأخير صعباً، يبدو أن الوصول للجلوس على طاولة الحوار أصعب، إذ سبق أن أظهر كل من التجمع اليمني للإصلاح وكذا الحزب الاشتراكي (أكبر حزبين في تكتل المعارضة)؛ ليونة في مواقفهما من الأحداث الاحتجاجية الأخيرة التي شهدتها المحافظات الجنوبية، وبدا الأمر كما أنه اشتراط من المؤتمر الشعبي العام عليهما لاستكمال جلسات التشاور، المؤتمر الشعبي (الحاكم) وصف عبر إعلامه ما صدر من الحزبين المعارضين بالموقف الإيجابي منهما، وجاءت إيضاحات حزبي المعارضة لمواقفهما من الأحداث قبل أربعة أيام فقط من الوصول لتوقيع محضر عدن، عبر مقال وقع باسم (المحرر السياسي) لصحيفة الثوري الناطقة عن الاشتراكي، ومحاضرة للأمين العام لحزب الإصلاح ألقاها في حشد من قطاعه الطلابي في صنعاء.

الدعوة الأخيرة للحوار أتت من الحزب الحاكم في 21 تشرين الأول المنصرم؛ بعد أن كان قد رفض الحوار مع المعارضة في قضايا خارج مشروع التعديلات الدستورية لرئيسه، "المشترك" عقد في اليوم التالي اجتماعاً لقياداته التي شددت في بيان لها على أهمية الحوار ولم تنس كالعادة تحذير المؤتمر عما قالت إنه "نكوص بما يتم التوقيع عليه من اتفاقيات وتعهدات سياسية معلنة متعلقة بالحوار".

الشارع اليمني الذي لم يعد يتابع باهتمام حوارات الأحزاب، يظل معنياً بما سيؤول إليه السياسيون من اتفاقات أو اختلاف، ورغم أن د.ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي سبق أن حدد ملامح قبول أحزاب المعارضة لأي اتفاقات مع الحاكم في تصريحات له العام الماضي حين قال:"إن السلطة من خلال المؤتمر الشعبي العام تريد إيصال الوضع إلى خيارين إما الأزمة أو عقد صفقة بين الجانبين مجدداً، وهو ما رفضه المشترك"، مشدداً أن المعارضة لن تقبل بتسويات على حساب الإرادة الشعبية، الحزب الاشتراكي الذي يقوده نعمان يخوض وحلفاؤه حواراً صعباً مع المؤتمر الشعبي الذي يظل ممسكاً بخيوط الحوار في قضايا صعبة أهمها ما يتعلق بإزالة آثار حرب 1994م والصراعات السياسية السابقة، وإصلاح النظام الانتخابي، والحكم المحلي، ولا تنسى المعارضة إدراج تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في أجندتها مع المؤتمر رغم غياب هذا العنصر عن النتائج التي يتمخض عنها الحوار. هناك أيضاً ما هو مدرج في بند الحقوق والحريات ويتعلق بتعديل أو إلغاء بعض القوانين أهمها قانون الصحافة، قانون التظاهرات، وقانون المنظمات المدنية.

الحوار الذي يستمر أسابيع وينقطع أشهرا ربما لن ينجز الكثير قبيل الاستحقاق البرلماني في نيسان (أبريل) 2009م، وهو كما يبدو سيكون موعداً للاستفتاء الشعبي أيضاً على التعديلات الدستورية التي تأتي إضافتها إلى جدول أعمال الحوار أحد أهم توقعات تعثر سيره خاصة ما يختص منها بشكل النظام السياسي وتشكيل نسبة 15% للنساء من مقاعد البرلمان، خاصة وأن المعارضة لم تحسم موقفها من قضية كوتا النساء بعد، وأهم من ذلك كله البند الثاني من مشروع الرئيس علي عبدالله صالح للتعديلات التي تنص على إرجاع مدة رئاسة الجمهورية كما كانت عليه قبل التعديل الأخير للدستور في 2001م، لتعود خمس سنوات بدلاً من سبع، وهو ما يراه كثير من المراقبين أنه محاولة لإعطاء الرئيس صالح فرصة الترشح لولايتين جديدتين بعد انتهاء ولايته التي تعتبر حسب الدستور الحالي الأخيرة وتنتهي في 2013م، ويقيس المراقبون تحليلهم هذا على التعديلات السابقة التي أغفلت فترات تولي صالح السابقة مبتدئة احتساب رئاسته اعتباراً من التعديل الأخير للدستور.

* إيلاف

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن