أول مخرجة سعودية.. تتحدث لأحد القنوات العالمية

السبت 14 يوليو-تموز 2018 الساعة 09 مساءً / مأرب برس- (CNN)
عدد القراءات 2817
 

مئتا عام تفصل بين إصدار رواية «فرانكشتاين» وبين فيلم Mary Shelley، وهو سيرة ذاتية عن حياة مؤلفة الرواية أخرجته المخرجة السعودية هيفاء المنصور.

امرأة سطع نجمها بعد الكتابة خلال صيف ندي بالقرب من بحيرة جنيف، والأخرى تُخرِج أول فيلم لها في الرياض: عالمان متباعدان، ولكن التشابهات حاضرة.   

تقول هيفاء لموقع شبكة CNN الأميركية، وهي تصف القرن التاسع عشر المُتشدِّد والمُتكلِّف الذي عاشت فيه ماري: «كانت إنكلترا بلداً محافظاً. ربما لا يُقارَن بالسعودية، بالتأكيد، ولكن لا يزال منتظراً من النساء أن يتصرَّفن بطريقةٍ مُحدَّدة».

لم يظهر اسم ماري ولا نوعها الاجتماعي على صدر روايتها عندما نُشِرَت بدون اسم عام 1818. ففي هذا الوقت، كافح المجتمع لقبولها وفقاً لشروطها. تقول هيفاء «الناس.. لم يريدوا الاعتراف بها، وتلك رحلة أتماهى معها حقاً».

 

تستحق رحلة هيفاء المنصور، باعتبارها أول مخرجة سعودية، أن يُعاد ذكرها ثانيةً.

إنه حقاً مسارٌ مذهل. جرى تصوير أول فيلم طويل لها، وهو فيلم «وجدة«، بالكامل داخل المملكة العربية السعودية، وأعلنت موهبة جديدة في عام 2012 لكنها واجهت عقبات كبيرة.

اشتهر عن هيفاء بأنها لجأت إلى إخراج بعض المشاهد من داخل عربة كي تتماشى مع القيود المفروضة في بلدها على النساء في الأماكن العامة.

وبعد ستة أعوام، حصل فيلمها الثاني Mary Shelley بطولة نجمة هوليوود الأميركية إيل فانينغ -وهو الفيلم المعروف في الأصل بعنوان A Storm in the Stars- على تمويلٍ من جمعية الأفلام البريطانية ووُزِّع في الولايات المتحدة عن طريق شركة إنتاج الأفلام المستقلة والوثائقية IFC Films.

وسيراً على خطى كبار المُخرجين السينمائيين من أمثال مارتن سكورسيزي، وإيفا ديفورني، وفرنر هرتزوغ، انتهت للتو من تصوير فيلم لنتفليكس.

على نفس شاكلة الظروف التي مرت بها المخرجة السعودية، تتغيَّر بلادها أيضاً. ولكونها فنانة عملت من قبل في المحيط الخارجي، تجد هيفاء المؤسسة في بلادها تحتضنها في ظلِّ التحوُّل الثقافي المشهود في المملكة.

ويوضح موقع شبكة CNN الأميركية، أن السعودية شقَّت في العام 2017، طرقاً رسمية لنفسها نحو الانضمام إلى مجتمع الأفلام العالمي، لتنهي حظراً على السينما دام لـ35 عاماً، وتؤسس المجلس السعودي للأفلام، فيكون فيلم Black Panther أول فيلم يُعرَض في دور العرض السعودية.

وفي أبريل/نيسان 2017، أُعلن عن تأسيس مدينة ترفيهية بتكلفة 8 مليارات دولار ومساحة 129 ميلاً مربعاً، تبعد عن الرياض مسافة تستغرق ساعة بالسيارة.

نظراً إلى أن نصف التعداد السكاني في السعودية، والبالغ إجماليه 32 مليون نسمة، تقل أعمارهم عن 25 عاماً، فإن النوايا تسير نحو الحصول على أموال السعودية التي تُنفَق في الخارج من أجل التسلية -ولا سيما في دبي والبحرين- وفقاً لما ذكره المدير التنفيذي للمشروع مايكل رينينغر.

ولكن بعيداً عن المشروعات الضخمة الجذابة، كان تحسين صورة صناعة أفلامها الوليدة ضمن أجندتها أيضاً.

إذ شهد مهرجان كان السينمائي في شهر مايو/أيار 2018 أول ظهور رسمي للمملكة في أهم محفل تجاري في هذه الصناعة. يقول الناقد السينمائي ومخرج البرامج جوزيف فهيم إن الحضور السعودي كان «الخبر الأكبر من المنطقة، وطغى على كلِّ شيء».

أعلن المجلس السعودي للأفلام خلال المهرجان عن سعيه لجذب شركات الإنتاج العالمية عن طريق تقديم خصم نقدي بقيمة 35% على جميع النفقات في البلاد.

وتُدخِل هذه الخطوة المملكة العربية السعودية في مداولةٍ تهيمن عليها أبرز المناطق التي تقدم مثل هذه الخصومات كجورجيا والولايات المتحدة وتورنتو والمملكة المتحدة، والأهم أنها تضعف أبو ظبي، التي تحظى بشهرة لدى العاملين في هوليوود لتصوير مشاهد الصحراء سواء على الأرض أو منذ فترة طويلة في مجرة بعيدة للغاية.

تفسر الكاتبة السينمائية إي نينا روث «لا يوجد هناك بنية تحتية بعد، ولا مدونة قواعد للسلوك.. فما هو المطلوب من صناع الأفلام عندما يذهبون إلى هناك». لم يوقف ذلك المشروعات التي تصعد فوق العربة السعودية. أسست البلاد أول شركة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني بجميع مراحله، وهي شركة أفلام نبراس، التي استضافت بالفعل إنتاجاً مشتركاً لفيلم «وُلد ملكاً»، بطولة إد سكراين، أحد أبطال فيلم Deadpool، وذلك حسبما ذكر موقع Deadline Hollywood.

لذا أين يمكن أن تتكيَّف هيفاء داخل هذا المشهد المتحول بسرعة؟ في أبريل/نيسان، دُعيت للانضمام إلى هيئةٍ جديدة من المخرجين تابعة للهيئة العامة للترفيه، وهو فريق توجيهي للفنون.

وعن ذلك تقول «نأمل أن نتمكن من إخراج أفلام سعودية قادرة على المنافسة عالمياً وتمثيلنا (بما في ذلك) وجود مزيد من النساء للمشاركة في التمثيل والإخراج».

ونظراً إلى أنها قدوة يُحتذى بها، سوف تخرج هيفاء فيلماً منتظراً بعنوان «المرشحة المثالية»، يضرب قدماً في عالم السياسة السعودية ويصور دور المرأة. فضلاً عن أنه أول فيلم مدعوم من المجلس السعودي للأفلام.

يُحذِّر جوزيف فهيم ويقول إنه بالرغم من الإصلاحات السعودية «سوف تبقى الرقابة، سواء أردنا ذلك أو لم نرده».

ويضيف: «الرقابة في جميع أنحاء المنطقة تصير أشد وأكثر تزمتاً. ينتابني فضول كبير بشأن باب أو نافذة الحرية التي ستسمح بهما السعودية. سيكون هناك حدود بكل تأكيد. السؤال هو ما هي هذه الحدود؟ وهذا ما سنكتشفه خلال السنوات القليلة القادمة».

يبدو في الوقت الحالي أن هناك كثيراً من الأسئلة أكثر من الإجابات. في ظل وجود قائمة متنوعة من الأفلام السعودية القصيرة المشاركة في مهرجان كان، بما في ذلك «فيلم المدرسة الموسيقية» -وهو فيلم وصفته روث بأنه حشو غير متسق يجمع بين فيلمي La La Land وGlee- ربما سيكون الأفضل وضع التصورات المسبقة على الباب قبل الدخول إلى هذه الصناعة الوليدة.

تقول هيفاء: «من المدهش أن نرى الآن كيف تحتضن السعودية الوسطية وتسعى لتكون دولة عادية مثل باقي العالم. بالمزيد والمزيد سنشعر بالاندماج، وسنشعر أننا جزءٌ من الصورة الأكبر».

يكتب العالم المُسمَّى في رواية «فرانكنشتاين» أن «لا شيء مؤلم جداً للعقل البشري أكثر من التغير المفاجئ». ومع كامل الاحترام لهذا الرأي، يظن المرء أن هيفاء المنصور تتوق بشدة لهذا التغيير.