الجارديان البريطانية: الجيش اليمنى يستخدم تكتيكات وأساليب عفا عليها الزمن!

الأحد 06 ديسمبر-كانون الأول 2009 الساعة 10 مساءً / مأرب برس - متابعات
عدد القراءات 14315

فى كل الحروب يسفر القتال عن وجهه القبيح، فبعد الدعاية التى تروج للعداء وفرحة الجنود ببعض النصر، تأتى المأساة التى لا يستطيع أحد وقفها، فيتساقط الجنود مضرجين بدمائهم، فيما تمتلئ قلوب أسرهم وذويهم بالحنق والاحتقان، فى الوقت نفسه تتفاقم معاناة المدنيين الذين هم فى الغالب من الفقراء، حيث يضطرون إلى مغادرة أراضيهم وقراهم ليذهبوا إلى مناطق هى أكثر فقرا، وليتحولوا من مزارعين فقراء إلى لاجئين جوعى،

رموشه مازالت مغطاة بالغبار بعد رحلة استمرت ثلاثة أيام فى الصحراء، وحين وصلت الرحلة إلى نهايتها وقف ناصر محمد مع عائلته وسط أوعية بلاستيكية وبطاطين زاهية الألوان حيث لم يتم اللجوء إلى استخدامها إلا مؤخرا، بينما تجمع الأطفال وكبار السن حول الخيمة التى اتخذها ناصر محمد وعائلته بيتا جديد، تجمعت الحشود حول ناصر لسماع قصته.

بدأ الرجل حديثه ببطء، فلم يكن يقوى ــ بعد رحلته المرهقة على فعل أى شىء حتى الكلام ــ ولكنه بدأ يحكى عن رحلته التى قطع خلالها 60 ميلا بدأ هربا من قريته التى تقع فى منطقة جبلية وعرة شمال غرب اليمن وذلك بعد تحذير السلطات السعودية لأهل القرية أن حياتهم معرضة للخطر.

ويقول ناصر: «الرجاء إخلاء دياركم من أجل البقاء على قيد الحياة» هذه هى أول رسالة سمعناها من السعوديين عبر مكبرات الصوت.

يبلغ ناصر من العمر 35 عاما، ليس لدية وظيفة محددة بل يعيش هو عائلته على الفتات الذى يجمعه بين آن وآخر إما عبر القيام ببعض الأعمال اليدوية المؤقتة، أو من خلال تهريب بعض المواد الغذائية أو حزم من القات إلى المملكة العربية السعودية مقابل دولار أو اثنين فى اليوم.

ويقول: «سمعنا أصوات طائرات وقصف عنيف. لقد كان السعوديون يقصفون مواقع الحوثى، ولكن بسبب قرب المسافات تعرضت قريتنا إلى القصف».

ويروى محمد الذى بدأ رحلته على أصوات المدافع والقصف الجوى، حيث فر هو وزوجته وأطفالهم الستة، وصولا إلى مخيم للاجئين. والآن يجد محمد نفسه مع عائلته فى مخيم مكتظ بغيره من اللاجئين الذين فروا هم أيضا من وقع الضرب العسكرى، ليكونوا جميعا أحدث ضحايا الحرب المنسية فى منطقة الشرق الأوسط، فلقد تحول القتال ــ الذى أجبرهم على الرحيل من ديارهم ــ من نزاع محلى بين الحكومة اليمنية والمتمردين فى الشمال إلى أن أصبح تهديدا بتحوله إلى حرب بالوكالة تدور بين المملكة العربية السعودية ــ أكبر الدول السنية فى المنطقة ــ وغريمتها الشيعية إيران.

فالواقع أن تضاريس اليمن وجغرافيتها التى تتنوع بين مناطق نائية يصعب الوصول إليها على وجبال شاهقة واسعة، وسهول فارغة، جميع هذه المعالم الصعبة ساهمت فى حفاظ المجتمع اليمنى على طبيعته القبلية.

كما أن اليمن يعد أكثر دول منطقة الشرق الأوسط فقرا، وهو ما ساهم فى تعقيد وضعها السياسى، الذى بات أكثر تعقيدا من أفغانستان، ففى اليمن يستطيع شيوخ العشائر والرجال المسلحون فى أن يقوضوا الموقف السياسى فى أغلب الأحيان، الأمر الذى يجعل منهم ورقة رابحة للسلطة الحكومة المركزية.

لمدة خمس سنوات، قاد المقاتلون الحوثيون الأقوياء تمردا مسلحا ضد الحكومة اليمنية فى صنعاء، واتهموها بالتمييز الدينى والاقتصادى والسياسى.

لقد تمكن المتمردون الحوثيون من النجاح فى شن حرب عصابات حقيقية على الجيش اليمنى، فمن خلال حفر الأنفاق وبناء قواعد عسكرية فى المنطقة الجبلية الشمالية الجبلية، قاتل الحوثيون ــ يقدر عددهم بما يتراوح بين 5 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل ــ بكفاءة مستخدمين ــ رغم كونهم غير عسكريين ــ الصواريخ والقنابل يدوية والمدافع رشاشة والقنابل المزروعة على الطريق، وتمكنوا من إلحاق خسائر جسيمة بالجيش اليمنى الذى يستخدم تكتيكات وأساليب عفا عليها الزمن.

لقد أسفرت الحرب عن مقتل آلاف الأشخاص وتشريد 175 ألفا آخرين، ووجهت رسالة تحد صريحة ومباشرة لسلطة الرئيس اليمنى على عبدالله صالح ــ الذى يحكم منذ نحو 30 عاما ــ وقدرته على الحفاظ على حكمه على هذه الأرض البرية والوعرة.

الواقع أنه رغم القصف الجوى العنيف، إلا أن السلطات الحكومية فى صنعاء سعت جاهدة لتكون لها اليد العليا. ولم يقتصر الأمر فى طول مدة الحرب على عناد السلطات الحكومية اليمنية فقط، ولكن صاحب هذا العناد الحكومى الدعم العسكرى القادم من الجارة الغنية بالبترول وحليفة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث خاضت السعودية المعارك إلى جانب الجيش اليمينى على مدار الأسابيع الماضية.

فبعد أن أثار الحوثيين غضب السعودية بعبورهم إلى الجانب الآخر من الحدود إلى داخل الحدود السعودية وصولا لمنطقة «جبل الدخان» وفى ظل مزاعم تورط عناصر المتمردين اليمنيين فى قتل أحد عناصر حرس الحدود، ردت القوات المسلحة السعودية على هذه التجاوزات بإعلانها المنطقة الحدودية «منطقة حرب»، وقامت بقصفها مستخدمة الغارات الجوية والمدفعية التابعة للسلاح البرى، فى أول حرب تخوضها القوات السعودية منذ اندلاع القتال مع الحلفاء ضد صدام حسين فى عام 1990 فى أعقاب غزوه الكويت.

وكان الضحية فى هذه المعركة الشرسة محمد وعائلته وأمثالهم من المدنيين اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم محصورين داخلها. ويستمر ناصر فى روايته عما: «شعرت بأنى على وشك أن أفقد وعيى من شدة الخوف فى كل مرة كنت أسمع فيها أصوات الطائرات والقنابل»، بينما تكمل زوجته رايرا صورة الرعب بالقول: «كنت خائفة جدا، كنت أشعر بالرعب لمجرد تخيل أننى قد أفقد أولادى، أو أنهم قد يتعرضوا للقتل».

ثم يعود ناصر إلى تناول طرف الخيط ليكمل الحكاية قائلا إن المتمردين هددوا بقتله مع غيره من القرويين فى حالة رفضهم للقتال إلى جانبهم. وأضاف: «حاولنا أن نرفض، وشرحنا لهم أننا مواطنون عاديون، وشددنا على أنه إضافة إلى جهلنا بالعمل العسكرى فإننا لا يمكننا أن نشارك فى انتفاضة ضد الحكومة».

وبينما تزداد الحرب سخونة وتتكاثف أعمال العنف، كان على ناصر وعائلته الهروب من وجه المعركة التى لا يعلم إلا الله متى يمكن أن تنتهى، وهكذا بدأت رحلة العائلة فانطلقت فى المرحلة الأولى سيرا على الأقدام ثم المرحلة الثانية التى جاءت على ظهر حمار، وانتهاء بالمرحلة الثالثة داخل شاحنة صغيرة وصولا إلى مخيم «مزاراك» الذى تديره الأمم المتحدة داخل اليمن.

«لقد كانت رحلة رهيبة، لم نأكل لمدة ثلاثة أيام، كما أن الأطفال كانوا يعانون التعب والجوع والخوف، وهم مازالوا يحيون هذه المشاعر الرهيبة»، بهذه الكلمات حاولت رايرا إكمال الصورة البشعة للحرب فى اليمن أثناء حديثها لصحيفة الجارديان بعد بضع ساعات على وصولهم.

ومع تصاعد أحداث الحرب فى ظل استمرار الضغط العسكرى الذى كانت آخر حلقاته قيام السعودية بقصف مخابئ الحوثيين، تسببت أعمال البارود فى اقتلاع 250 ألفا من اليمنيين من ديارهم وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، وهكذا وجدت المنظمة الدولية نفسها مسئولة عن مخيم يزداد فيه عدد اللاجئين عن الموارد المتوافرة لهذا المأوى الكامن فى بلدة قبل الحدود السعودية.

داخل مخيم «مزاراك»، تجاهد وكالات الأمم المتحدة لمواجهة الموقف الخانق. فأكثر من نصف سكان المخيم هم دون سن 18 عاما، بينهم هناك ما يزيد على ألف حالة تعانى من سوء التغذية الحادة.

فطبقا لليونيسيف، يتم تسجيل نحو 250 طفلا يموتون يوميا بسبب سوء التغذية فى اليمن، أما المشهد فى «مزاراك» فيشابه فى بعض الأوقات مشهد المجاعة. فارس الثوابى، هو طفل يبلغ من العمر 6 أعوام، ولكن الثوابى ليس كغيره من الأطفال، فذراعاه وساقاه لا يحتويان على أكثر من الجلد والعظام، معدته فارغة ومنتفخة، ولم يكن باستطاعته أن يتوقف عن البكاء بينما كان طبيب اليونيسيف يفحصه.

ومعلقا على الموقف يقول نسيم الرحمن المتحدث باسم اليونيسيف: «إن الوقف فى اليمن مزر، واللاجئون مستمرون فى التدفق، والحرب لم تتوقف. إن اللاجئين وبينهم الكثير من الأطفال والنساء باتوا وكأنهم اعتادوا العيش فى المخيمات، ويبدو أنهم لن يذهبوا إلى أى مكان أخر فى الوقت القريب».

خدمة جارديان الإخبارية - ترجمة الشروق المصرية

  
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن