فريضة الوقت إزاء الوضع الفلسطيني الجديد
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و يومين
الإثنين 25 يونيو-حزيران 2007 06:28 م

مأرب برس - خاص

ظلّ الشعب الفلسطيني عموماً وحركة المقاومة الإسلامية حماس وأخواتها من فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية خصوصاً ، تقدّم وعلى مدى عمرها النضالي الطويل قوافل تتلوها القوافل من شهداء العزة والكرامة .

لقد سطّر الشعب الفلسطيني وحركته حماس التي اختارها عبر صناديق الاقتراع الحر والمباشر تاريخاً مجيداً ومشرقاً ، من ملاحم البطولة التاريخية النادرة للكرامة والعزة الإسلامية والعربية ، في زمن الانهزام والانكسار العربي .

وإن ذلك المجد المصبوغ بلون الدم الأحمر القاني الكريم ، يجب على الأمة ألا تنساه في غمرة الأحداث التي جرت وتجري على ثرى الأرض المباركة فلسطين ، وألا تشطّب على هذا الجهاد الطويل والمبارك ، نتيجة بعض الأخطاء والتجاوزات التي وقعت من هذا الطرف أو ذاك ، نعتقد جازمين وكما رأينا بالوثائق أن وراء هذه الأخطاء الفادحة العدو الصهيوني وطابوره الخامس ، الذي أبى الله إلا وأن يكشفه ويفضحه على رؤوس الأشهاد ، فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .

بيد أننا نقرأ سطور المؤامرة الكبرى من بعض الأنظمة العربية والدولية من قبل ومن بعد الأحداث ، لعل آخرها انعقاد مؤتمر رؤساء التآمر والإرهاب الدولي في شرم شيخهم ، في أرض الكنانة مصر العزيزة ، الأمر الذي يحتّم على الأمة بكافة فصائلها ومنظماتها واتجاهاتها وعلمائها ومفكريها وقادتها ونخبها الفكرية والسياسية والاقتصادية والحزبية أن تقف من الحدث موقفاً قوياً وحازماً وواضحاً وجلياً وصريحاً لا لبس فيه ، ولا غموض ، وهذا الموقف لا يكلف الأمة وأنظمتها الحرة سوى قدراً من الشفافية والوضوح والمصداقية مع القضية الفلسطينية ، ومع هذا النضال والجهاد الطويل ، ولعل من أبرز ما يجب عمله في خضم هذه الأحداث الجسام ، ما يلي:

أولاً: الدور السياسي الذي لا يجوز أن يتأخر عن هذا الوقت ، إنّ ثمة أنظمة عربية كان لها دورها الكبير والمشكور ، ومنذ وقت مبكر في عملية المصالحة الوطنية ولم الشمل الفلسطيني ، والسعي لذلك ، ولها دعمها المادي والمعنوي المشكور ، وحتى هذه الأثناء العصيبة حرصت بعضها على الحياد ، وإلى هذه اللحظة فيما يظهر ، كما أنّ هذه الأنظمة ، تحظى بقبول كل الأطراف الفلسطينية ، بل والدولية ، ندعو ونؤكد هنا على وجوب الاستمرار في هذا الموقف المساند للشعب الفلسطيني ، لا سيما في هذه المحنة ، ويجب أن تسعى هذه الأنظمة العربية جاهدة لدرأ الشقاق وحل الخلاف بين الإخوة في فلسطين ، لا سيما بعد التغيرات الكبيرة التي جرت على الأرض الفلسطينية ، بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، وتمّ القضاء على أجهزة العمالة والخيانة والفساد والبغي الذي كان يتزعمه دحلان وأبو شباك ، ومن معه ، وبحمد الله تم القضاء على هذه العصابة مادياً عن طريق حماس ، ومعنوياً عن طريق الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، الذي قام مشكوراً بحل جهاز الأمن الوقائي ، الذي كان بمثابة سرطان في الجسد الفلسطيني ، تمّ بفضل الله استئصاله والقضاء عليه ، وإلى غير رجعة بإذن الله ، ورغم أن هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً وكلفت الشعب الفلسطيني أكثر من 600 شهيد ، إلا أنها تحسب لأبي مازن ، بصرف النظر عن المقاصد والغايات .

 إن على حكومات العربية السعودية ودولة قطر والسودان واليمن ، وإيران ، أن تواصل سيرها المبارك ومحاولاتها لإزالة الخلاف بين الإخوة في فلسطين ، وألا يستجيبوا للضغوط الصهيوأميركية والأوربية في هذا السياق ، كما أن زيارة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين ، والرئيس اليمني ، إلى فرنسا وبعض الدول الأوروبية ، يجب أن تحمل في ثناياها مواقف شعوبهم الداعم والمساند للقضية الفلسطينية وحكومة الوحدة .

إن مبدأ المصالحة الفلسطينية الفلسطينية لا يزال ممكناً ، وغير مستحيل ، لا سيما وأن له أرضيته التي كانت محل قبول ورضى من كل الأطراف الفلسطينية ، ونعني بهذه الأرضية المشتركة "اتفاق مكة المكرمة" والذي إلى الآن كثير من الأطراف الفلسطينية تُجمع على هذا الاتفاق ، والواجب هو تعزيز هذا الاتفاق ، والقضاء على ما فيه من فجوات وثغرات ، ظهرت جلية الآن .

ثانياً: على الشعوب الإسلامية منظمات وهيئات وأحزاب أن تفيق من غفوتها ، وأن تعلم أن فلسطين هي قضيتها الكبرى ، وأن هذه القضية مهددة بالخطر ، وبتآمر دولي كبير تكاد تزول منه الجبال ، ومالم تقف الشعوب المسلمة بحكوماتها وأحزابها مع القضية فإن الطوفان سيأخذ الجميع ، بلا استثناء .

 إن الواجب الشرعي في هذه المحنة يفرض على الأمة الدعم اللامحدود للحكومة الشرعية ، حكومة الوحدة ، التي تتزعمها الآن حماس ، وفق اتفاق مكة ، ويجب أن يخرج الموقف الإسلامي من حالة الضمير الغائب إلى حالة الخطاب والكلام والمناداة ، وذلك بالضغط على الأنظمة العربية للوقوف مع حكومة الوحدة الفلسطينية ، والسعي للمصالحة بين الأشقاء الفلسطينيين على أساس اتفاق مكة ، ويجب أن يتخذ هذا الضغط الشعبي كل ما هو ممكن من البرقيات والاتصالات ، وغيرها من الوسائل السلمية ، المنددة بالتآمر على القضية الفلسطينية وشعبها البطل ، وحكومته المنتخبة .

ويجب أيضاً أن تُجمع التبرعات والأموال لمساندة هذه الحكومة في ظل اشتداد الحصار المفروض ، حيث لا يؤمل فك هذا الحصار لا من الاتحاد الأوربي ولا من غيره ، بل المتوقع هو اشتداد هذا الحصار ، ولا يستهان بالأموال العربية ففيها الغناء والخير الكبير والبركة والكفاية بإذن الله .

ثالثاً: على دول الطوق وبالذات مصر والأردن أن توقف دعمها لتفتيت الجسد الفلسطيني ، وألا تسير في هذا المخطط الرهيب الذي أفقدها ماء وجهها أمام شعوبها والشعوب الإسلامية الأخرى ، وإلا فما معنى قمة شرم الشيخ في هذا الظرف ، وما هي المصالح المشتركة يا ترى بين هذه الدول العربية والرئيس عباس من جهة ، وأولمرت وحكومته من جهة أخرى؟؟!! .

لقد كان المفترض أن تعقد هذه الدول مؤتمر قمة عربية عاجلة في مكة المكرمة ، للتشاور والخروج بصيغة عربية واحدة موحدة لوحدة الشعب الفلسطيني ، بدلا من قمة أولمرت التي بلا شك ولا نقاش سيكون الموقف الإسرائيلي هو سيدها ، والآمر والناهي فيها ، كما هو المعتاد والمعلوم في كل قمم شرم الشيخ ، حيث تشرم الإرادة العربية والإسلامية وبلا هوادة.

إننا نناشد دول الطوق في هذه المحنة العصيبة أن تحترم إرادة شعوبها وكرامتها وحريتها وسيادتها واستقلالها ، وألا تكون أداة طيّعة بيد إسرائيل لضرب الشعب الفلسطيني والقضاء على مكتسباته وإنجازاته وكفاحه وجهاده ، وإذا لم تستطع أن تقدم شيئاً للشعب الفلسطيني ، فلا يجوز لها أن تلحق به الأذى والضرر ، لأنه هو الحامي والمنافح الأول الذي يقف أمام الأطماع الصهيونية في التوسع والسيطرة .

والمفترض أن تقوم هذه الدول على الأقل بأعمال الإغاثة والإيواء للشعب الفلسطيني الذي يقف على حدودها بالمئات والآلاف ، كما أنّ عليها - بالدرجة الأولى - واجباً إنسانياً ووطنياً كبيراً في إيصال الأغذية والملبوسات والضروريات الحيوية للشعب الفلسطيني ، ويعد التقصير في هذا الجانب من الأخلاق السافلة التي لا يقبلها عربي لهذه الدول المسماة بدول الطوق .

رابعاً: ينبغي على الإخوة في فلسطين أن يعرفوا جيداً أن الحل أولاً وأخيراً بأيديهم ، لا بيد غيرهم ، وأن عليهم ألا يعوّلوا كثيراً على الحلول الخارجية ، مالم يسهموا هم فيها ، وأن عليهم المسارعة إلى تدارس أوضاعهم بعين العقل والحكمة ، وألا يستجيبوا لمخططات تقسيمهم ، وإبادتهم الواحد تلو الآخر .

كما أن على الرئيس محمود عباس أن يعي جيداً أنّ إسرائيل إنما تستخدمه لتحقيق مصالحها ومآربها ، وحين تفقد هذه المصالح فإنها سوف تتخلص منها بطريقة أو بأخرى ، كما فعلت مع أبي عمار ، وعليه أن يعلم أن سنده الحقيقي هو شعبه وقواه الحية والحرة فيه ، وعليه أن يغالب نفسه ويغالب أعداء الشعب الفلسطيني ، وذلك بأن يستجيب لنداءات التحاور والتصالح ، مالم فسيجد نفسه هو الخاسر الأكبر ، والخائن الأعظم في تاريخ القضية الفلسطينية ، إذا ما استمر في الارتماء في أحضان أولمرت ورايس .

خامساً: على حركة المقاومة الفلسطينية حماس أن تلتحم بشعبها وقواه المختلفة ، وأن تمد يدها لجميع أبناء الشعب الفلسطيني الكريم ، من شتى الفصائل والتيارات ، وأن تسعى لتأسيس جبهة شعبية وطنية عريضة قوية وصلبة ، يصعب على الأعداء اختراقها ، فهذا يعد أحد أبرز المهمات في تاريخ القضية الفلسطينية حاضراً ومستقبلا .

كما أن عليها أن تشيع في المجتمع الفلسطيني كله بشتى فصائله وفئاته ، معاني الحب والإخاء والوحدة الإسلامية ، بلا تمييز ولا تفريق ، وأن تعزز في المجتمع الفلسطيني معاني العدالة والمساواة الإسلامية - والتي حُرم منها الشعب الفلسطيني طويلاً - كمطلب أساسي لقيام الدول والكيانات ، ذلك أن البغي والظلم ، أياً كان ، سبب للفرقة والاختلاف ، كما قال تعالى : {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }الجاثية17 .

كما أن على حكومة الشعب الفلسطيني أن توطد علاقتها بربها ومليكها سبحانه وتعالى ، الذي بيده خزائن السموات والأرض ، وهو يُطْعِم ولا يُطْعَم ، وهو وحده الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، بيده الخير إنه على كل شيء قدير .

والشكر موصول لتلك الوسائل الإعلامية الحرة التي نقلت الأحداث بحياد وشفافية وتحرٍ للحق والمصداقية على قلتها ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .