من زرع الأشواك في أرض اليمن؟!.
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 20 يوماً
الإثنين 05 أكتوبر-تشرين الأول 2009 09:09 م

أحسب أن من الخطأ بمكان أن ننظر إلى الأحداث المتسارعة وإلى القوى المتصارعة في اليمن، أنْ ننظر إليها على أنها محض أحداث وليدة لحظتها، أو أن نلقي بالمسئولية فيها إلى البعد الخارجي، فيما هي في واقع الحال، إنما هي تراكم طويل الأمد، وأحداث صنعتها يد الاستبداد والظلم السياسي، إنها تراكم كبير وطويل لسياسات خاطئة كاذبة سلكتها السلطة طوال عقود مضت ، وهي ثمرة خبيثة لشجرة خبيثة زرعها النظام منذ زمن بعيد ، فآتت أكلها كل هذا التمزق والدمار والفساد والخراب في كل بيت، وجعلت من الوطن كله وطناً للنكبات والمآسي والفتن والحروب والقلاقل في كل جهة من جهاته.

لقد كنا جميعاً في فسحة من أمرنا قبل أن نخوض إلى الركب نهر الدماء في صعدة وفي المحافظات الجنوبية والشرقية ، وغيرها من المحافظات اليمنية المستعرة والملتهبة، مما جعل الحل يبدوا مستعصيا إن لم يكن مستحيلا .

ولعلنا ندرك الآن عمق تلك النظرة العميقة للشيخ عبد الله الأحمر طيب الله ثراه، حين وصف قبل بضع سنين، هذا الوضع اليمني الجديد ب \"النفق المظلم\" وهو ما أثار غلمان السلطة وسفهاءها على الشيخ الأحمر آنذاك ، ولكنها كانت نظرة إلهام تجاوزت حدود الزمان والمكان.

لعلّ من أبرز المشكلات وأكثرها تعقيداً، إزاء أي حل للوضع اليمني، هو حب السلطة ونهمها في الشمولية والاستبداد، وعدم قدرتها على العظة والاعتبار، مما جرى ويجري، وإلى يومنا، لقد بات حب السلطة جنوناً يسيطر على النظام ، الأمر الذي جعلها تقاوم كل عمل وكل مشروع وكل خطوة نحو البناء والإصلاح ، وما تزوير الانتخابات في كل مرة، وما عمليات الإقصاء والفساد والإفساد في كل مرافق السلطة، إلا ترجمة عملية لهذا الفكر الشمولي ، والنظام الفردي الاستبدادي، الذي لا قرار له ، ولا جذور ثابتة تقيمه وتسنده.

إن الفكر الفردي الاستبدادي هو من جنى ويجني على اليمن واليمنيين في كل مراحل تاريخهم، وزاد من النكبة والمأساة، أن السلطة تمارس أقذى أنواع الاستبداد السياسي باسم الحرية والديمقراطية والشورى، فيما السلطة هي أدرى الناس بحقيقة الأمر، فعقب كل انتخابات تلحظ السلطة قبل غيرها، أن الخزينة العامة للدولة خاوية على عروشها، مما يفسر وبوضوح سر هذا العجز المالي والتدهور الاقتصادي، الذي لم تشهد له اليمن مثيلا، حتى في عهد السلاطين والأئمة، وهو ما عبر عنه الدكتور الإرياني في أحد تصريحاته الصحفية، بقوله نخشى أن تعجز الدولة حتى عن دفع رواتب الموظفين!!. فيما أضمر في نفسه الأمارة بالسوء، الأسباب والمسببات.

إنّ هذا الاستبداد الفردي هو الذي يقف سداً منيعاً أمام كل مشروع إصلاح وبناء، مهما صغر ، فالسلطة باتت تخشى كل شيء، تخشى العلماء والطلاب وأساتذة الجامعات والمعلمين والجيش والعمال والفلاحين والصيادين والباعة المتجولون..الخ مما حدا بها إلى الاستحواذ على كل شيء في البلد.

ولعلي أشير هنا إلى بعض الطرائف في هذا المقام، التي نلطف بها أجواء الدماء والأشلاء في صعدة وغيرها من المحافظات اليمنية، فقد حدثنا مرة القاضي العلامة محمد الصادق مغلس وفقه الله، في درس التزكية أيام دراستنا الجامعية، عن تاريخ نشأة جمعية علماء اليمن، فقال : خطر لي خاطر وهو الدعوة إلى إنشاء جمعية لعلماء اليمن، فهاتفت بعض المشايخ ، بهذا الخصوص، بغرض إيجاد رابطة لعلماء اليمن ، تعبر عنهم وعن آرائهم واجتهاداتهم ومواقفهم، وما هي إلا حوالي 24 ساعة حتى سبقتنا الدولة فأعلنت عن إنشاء جمعية علماء اليمن!!.

قلت: ولعلّ الجميع يدرك سبب ضياع كلمة العلماء شعبياً سيما إن كانت صادرة عن جمعية علماء اليمن ، فالكل يدري مَن وراء هذه الجمعية ومن يديرها ويتحكم في قراراتها ، ومن يوقظها ومن يدعها تنام نومة أهل الكهف، فما أن تأتي فتوى ما عن الجمعية حتى يقول اليمنيون \"شنشنة نعرفها من أخزم\" مهما كانت تلك الفتوى حقاً وصواباً .

رغم أني أجلّ في نفسي كل علماء هذه الجمعية بلا استثناء وأقدرهم ونحسبهم والله حسيبهم أهل الخير والفضل والعلم ، لولا أن قرارهم ليس بأيديهم، ولن يقدروا أن يعقدوا اجتماعاً واحداً لهم دون أن تدعوا إليه السلطة وتنظمه ، وتضع عليه ما يلزم من البهارات والمِلَح .

إن السلطة يجن جنونها وتستثار كثورة ثيران أسبانيا كلما نجح عمل أو بني بناء أو شيّد منبر أو أسس مصنع أو أقيمت جامعة أو قامت شركة.. بل تغار حتى من الأسماء فتسرقها، فضلا عن الأموال والثروات الوطنية، واسألوا عن اسم قناة الإيمان وقناة سبأ من سرقه؟!.

لا أريد الاسترسال في الحديث عن استبداد الحكم الفردي في اليمن، فالسلطة في هذا الوقت أحوج ما تكون إلى العزاء والمواساة ومد يد العون والمساعدة والدعاء الصادق المخلص، لا التشفي أو التعيير، وهذا الأخير هو ما لا نقصده علم الله في هذه الأسطر، إنما اضطررنا للبيان والإيضاح اضطراراً، لنبرأ الذمم أمام الله، بالنصح والإرشاد إلى حقيقة الخلل وموضعه، سيما أن السلطة حتى يومنا هذا - بكافة أجهزتها - تعمي العين عن الإبصار والنظر عن خطورة سيرها، والكارثة الكبرى التي تقود الأمة اليمنية إليها، والتي سوف يصبح الجوع والفقر والعوز والتسول، بكافة أشكاله وفنونه، جنة خضراء ، مقارنة إلى ما يمكن أن يؤول إليه الوضع في الأيام القادمة ، لا سمح الله.

إن الواجب اليوم على السلطة وقبل أي شيء آخر في هذا الظرف العصيب من تاريخ اليمن ، أن تقاوم في نفسها وبكل قوة فرق الفساد والإفساد والظلم والاستبداد والقمع السياسي والفكري من داخلها قبل أن تنادي بمقاومة المفسدين والخارجين على النظام والقانون والدستور، فالأخطر على الأمة اليمنية وعلى النظام في اليمن الحديث هم فرق الفساد والاستبداد السلطوي قبل غيرهم، وهم من زرع بامتياز كل هذه الفتن والمحن التي يشيب لها الولدان، في كل أرجاء اليمن، ولولاهم لما كنا حكومة وشعباً في هذا الوضع الذي لا نحسد عليه ، كما يجب على السلطة إعادة النظر في عمليات الإقصاء والتهميش للشعب اليمني وقواه الحية ، وقديما قال العرب: \"من زرع الشوك لم يحصد العنب\".

والله من وراء القصد ، والحمد لله رب العالمين،،