كيف نفهم معجزة الإسراء والمعراج؟!
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 19 يوماً
الخميس 08 يوليو-تموز 2010 04:17 م

لن نخوض أو لن نطيل في الخلاف عن معجزة الإسراء والمعراج وهل كانت بروحه وجسده ، أم بروحه صلى الله عليه وسلم دون جسده؟! ، وإن كانت كل الإيحاءات القرآنية تؤكد أنّ رحلة الإسراء والمعراج كانت بالروح والجسد معاً، كما في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } الإسراء1، فلفظ \"بعبده\" المتعدي بالباء يشمل الروح والجسد ، ولفظ \"لنريه من آياتنا\" إيحاء بالإعجاز والتحدي ، ولا يكون الإسراء والمعراج إعجازاً إلا أن يكون وقع بالروح والجسد، لأنه لا إعجاز بمجرد الرؤيا المنامية ، وعلى كل فالمسألة محل خلاف قديم مشهور وقع بين الصحابة الكرام ، سيما بين ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما، كما في الصحيح ، إلا أنّ الدلائل ترجح والله تعالى أعلم مذهب ابن عباس، وفي المسألة تفصيل هام ورائع وقيّم أشار إليه ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية فليرجع إليه ، وإنما الذي يهمنا هنا من معجزة الإسراء والمعراج هو أن نتلمس مواطن العظة والعبرة وأن نُعْمل بعين البصيرة والحكمة فقه هذه المعجزة ، سيما في عصرنا ، المليئ بالأحداث والوقائع والمتغيرات القيمية والثقافية ، ولأن عصرنا هو العصر الأحوج إلى الهدي الإلهي والنور الرباني ليضيء له درب الهداية والرحمة ، والصراط المستقيم ، عسى أن تجد البشرية المعذّبة ولو بصيصا من أمل أو خير وعافية ، لذا نود أن نشير إلى بعض دروس معجزة الإسراء والمعراج ، فيما يأتي :

1) في تَقَدّم النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء وصلاته بهم إماماً ، جملة من الدروس والعظات ، منها : بيان هيمنة الرسالة الخاتمة على كل الأديان والشرائع والملل ، وأنه لا دين أرفع ولا أكمل ولا أسمى من دين الإسلام ، وأنّ الإسلام هو الدين الناسخ لكل الأديان السابقة ، وأنه لا خلاف بين الأديان ولا بين الأنبياء ، وأن أصول الديانات واحدة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، وأنّ الواجب على أتباع الديانات كلها اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، كما اتبعه الأنبياء جميعاً ، لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء دليل على إمامته عليه الصلاة والسلام وإمامة أمته من بعده للأمم ، وهو مصداق ما أخبر به القرآن العظيم ، كما قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81.

2) في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء ، وتردده بين ربه وموسى عليه السلام ، في أمر فرض الصلاة ، وتشاورهما ، عليهما الصلاة والسلام ، دليل على الإخاء والسلام الذي يجب أن يسود بين أتباع الديانات ، وأن العلاقة بين النبيين والمرسلين علاقة إخاء واتباع للدين الحق ، وليست علاقة صراع ونزاع ، وهذا أمر طبيعي لأنّ أصل الأنبياء واحد رسالة وملة ومنشأ ، فالجميع رسل الله وأنبياؤه ، والجميع أبناء إبراهيم عليه السلام ، ولذا كان الأنبياء متحدون أصلا ومنشأً ولا خلاف بينهم إلا في الفرعيات والتفاصيل ، تبعاً لاختلاف الأزمان والظروف ، وكان الواجب على أتباع الديانات جميعاً أن يكونوا كما الأنبياء وعلى الصورة التي جرت في الإسراء والمعراج من الإخاء والود وتقدير بعضهم بعضاً، وفي هذا بيان لمكانة الإسلام وفضله حيث أنه ليعترف بكل الأنبياء والمرسلين ويعتبر الرسالة الخاتمة إنما هي امتداد لدين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، كما قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران68.

وقال تعالى : {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة136.

إذن الأوضاع التي يشهدها العالم اليوم من الصراع بين أتباع الديانات ، سيما الثلاثة منها ، وضع غير طبيعي وغير سليم ، ويخالف منهج جميع الأنبياء ، وهو من صنع اليهودية العالمية التي تسعر الحروب والفتن ، ومن سار في فلكها من رعاع الغرب وهوشاته وغلمانه .

3) أنّ في رحلة الإسراء والمعراج دروساً بليغة وهامة سيما للدعاة والمصلحين ، وأنه ينبغي للعلماء والدعاة بوجه أخص الرحلة وتغيير الأجواء النفسية والتعرف على البيئات المختلفة ، ففي ذلك من سعة العلم والفهم والفقه والأنوار ما لا يفققهه إلا من جربه ، وبقدر تجوال الداعية وسعة رحلته في أرجاء هذا الكون بقدر ما يكون لديه من العلوم والمعارف ، ولذا كان اتساع العلم النبوي وسعة أُفُقه بقدر اتساع رحلة الإسراء والمعراج ، حيث طاف النبي عليه الصلاة والسلام بالأفلاك والسموات العلى ورأى سدرة المنتهى والعرش ، واطلع على أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، ولذا كان يقول عليه الصلاة والسلام (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) كما في المتفق عليه .

إن الدعاة والمصلحون أحوج ما يكونون اليوم إلى سعة الأفق وسعة الإدراك ، وعدم التقوقع ، على حال أو بلد أو ظرف ، وأقول جازماً أنّ ثمة فروقاً واضحة بين العلماء والدعاة الذين يجوبون أرجاء الأرض ، وغيرهم من العلماء والدعاة الذين يعيشون فقط بين أنحاء الكتب والمصنفات ، فأوفر الناس حظاً من الفهم والفقه والأقرب إلى ملامسة هموم الناس ومشكلات الحياة هم الأوفر حظاً من الرحلة والسياحة في الأرض ، وإن كان للجميع ذات الفضل والمنزلة ، بإذن الله ، على أننا هنا نقصد بالرحلة الرحلة المهدّفة بأن تكون للدعوة إلى الله أو لطلب العلم أو للتجارة أو للسياحة أو لغيرها من الأهداف العلمية والمعرفية ، وفي الرحلة من البشْر والأمل والبحث عن ميادين للسير إلى الله والدار الآخرة ما لا يمكن أن يوجد في بطون الكتب ولذا دعا الإسلام إلى السير في الأرض فقال تعالى : {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }الأنعام11.

4) أنّ في رحلة الإسراء والمعراج من المبشّرات والكرامات والمنح الإلهية والفيوضات الرحمانية للنبي الكريم ولأمته الفاضلة ما لا يوصف ، فرحلة الإسراء والمعراج كانت كلها بيان لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته وأنها أمة الفطرة وأنها الأمة الوسط ، ففي البخاري: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ قَالَ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.

ومرّ النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج بإخوانه النبيين كإدريس وموسى وإبراهيم فكلهم يقول له مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح كما في البخاري وغيره ، ورأى عليه الصلاة والسلام الملائكة حتى أنه ليسمع صريف أقلامهم .

فكانت رحلة الإسراء والمعراج بيانا لمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة أمته، بعد أن عاد عليه الصلاة والسلام من الطائف مكلوم الجسد جريح الفؤاد منكسر القلب ، لما جرى له من الإيذاء والاستهزاء من المشركين ، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تعزيزاً لروح الثقة بالله عز وجل والإيمان به والتوكل عليه .

ختاماً إنّ رحلة الإسراء والمعراج تعد رحلة فلكية إيمانية ، وهي أول رحلة شهدها الإنسان إلى عالم السماء ، فكانت بحق بعثة للضمير وحياة للقلب وسعة للعقل وإطلاقاً للإدراك وتثبيتاً للإيمان وتحدياً للمشركين وبعثا للأمل وعزاً للصحابة والمسلمين المستضعفين ، ومعراجا للروح في سماء الإيمان والتزكية وإسراءاً للنفس والعقل في ملكوت الله رب العالمين، ولذا تبوأت هذه الرحلة مكانها ومكانتها في الأحداث التاريخية والوقائع الإسلامية ، فهل يا ترى يفهم المسلمون اليوم هذه الحادثة على أنها معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ، يستلهمون منها معاني البر والإيمان والتزكية والخير والنصر والأمل والحرية، أم يجعلون منها حادثة لتخدير الفكر بالخرافات والأباطيل وكفى!! .

تهنئة :

أهنئ الأصدقاء الكرام والإخوان الأعزاء والزملاء الأوفياء والصحب النبلاء والمشايخ الفضلاء كل من :

1) مروان مغلس .

2) سليمان عبد الله شرف .

3) عبد الحميد مرشد الأزدي.

لنيلهم درجة الدكتوراه ، والله تعالى نسأل لنا ولهم العون والتوفيق والسداد ، وأن يجعلهم إضافة طيبة كريمة مباركة على الساحة العلمية والثقافية والأكاديمية ، محليا وعربياً وإسلامياً .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،

Moafa12@hotmail.com