سقطرى ونضال الجيولوجيين
بقلم/ عمار عبيد
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و 28 يوماً
الثلاثاء 30 يونيو-حزيران 2020 06:16 م
 

أرخبيل سقطرى كنز عظيم يخص بلداً يتيماً وعقيماً اسمه اليمن، لكن ذلك الكنز القابع في أقاصي هذا البلد التعيس أُهمل وتم التغاضي عنه من قِبل الجهات الرسمية زمناً طويلاً، وغضت طرفها عنه وكأنه لا يخصها ولم يكن بمقدورها استيعاب حقيقته واستشعار قيمته كثروة ضخمة بوسعها تغيير وضع البلد ككل والجزيرة بشكل مختلف.

فعلى مدى عقدين متتاليين شهد هذا الشأن مخاضات وعراكات عدة كأنها حركات مدٍ وجزر, تدفع بالمجمل نحو أن تظهر هذه الجوهرة حقيقتها، وأن تلقى وضعاً يليق بها وقد كانت تلك الجهود الحثيثة منطلقة من الإيمان والتيقن بعظمة هذا الكنز ومحاولة أنظار الدولة للجوهرة التي بيد فحام كما يقول المثل، وسنستعرض هنا في ثنايا هذا المقال نتفاً يسيرة من جهود ونضالات بعض العقول اليمنية الفذة التي مسها الأسى وأنهكتها الخيبة وهي تنوح في سبيل أن يصبح أرخبيل سقطرى واجهة سياحية واقتصادية لليمن منذ أمد بعيد، ومن طلائع تلك العقول اليمنية والعلماء الجيولوجيين الذين بذلوا دوراً بارزاً في محاولة رفع قضية سقطرى إلى السطح، وتنبيه الجهات الرسمية المحلية والدولية المهتمة بالمناطق الحيوية المهملة، ونخص بالذكر الدكتور إسماعيل ناصر الجند رئيس المساحات الجيولوجية والثروات المعدنية سابقاً، الذي كان له جهد مضني في سبيل الدفاع عن سقطرى وأهميتها منذ زمن مبكر داخلياً وخارجياً وبغض النظر عن الوضع الذي آلت إليه الجزيرة إلا أن جهود هذا الرجل ستبقى شاهقة لا ينكرها إلا حاجد أو جاهل وسنوردها هنا كواجب أخلاقي ومهني وإنساني يثبت جلياً أن اليمن مليئة بالرجال الوطنيين الذين كرسوا حياتهم في خدمته والدفاع عن ثرواته وكنوزه.

ومن المؤسف جداً أن اليمن بلد أهمل أغلب المناطق الهامة من جزر وأرخبيلات ليس من الجانب الاقتصادي والبنية التحتية فحسب بل من الجانب التاريخي والإعلامي والتوثيقي حتى ظن بعض الواهمين أن أرخبيل سقطرى ليس يمنياً، يذكر الدكتور اسماعيل الجند في مذكراته التي نشرها على صفحته بالفيس بوك أنه حضر في أغسطس 2004م المؤتمر الثاني والثلاثين لعلوم الأرض في مدينة فلورنسا الإيطالية وقد صدم الرجل حينها كما يقول أن الجانب الإيطالي قدم خارطة جيولوجية لمنطقة القرن الإفريقي وكان أرخبيل سقطرى مدرجاً ضمن أراضي الصومال على متن تلك الخرائط التي وزعت على المشاركين في المؤتمر ، وقد قام بالاحتجاج الرسمي للإيطاليين الذين بدورهم سحبوا تلك الخرائط وقدموا اعتذراً رسمياً للوفد اليمني، وقد توالت جهود الرجل تباعاً أمام الجهات اليمنية المختصة وحثها على أهمية الأرخبيل وتنبيهها على أن إهماله سيعرضه للخطر وللأطماع بل طرح على الدولة مقترحاً بجعل أرخبيل سقطرى والجزر المحيطة به محافظة خاصة؛ كي تنال قسطاً من الحظ والرعاية إلا أن مقترحه ذاك قوبل بالرفض والتجاهل وقد أبلغه الدكتور عبدالكريم الإرياني أن هذا المقترح قد طرح من قبل حكومته سابقاً وكان حظه الفشل أيضاً، والجدير بالذكر أن هذا المقترح لم يلق استجابة إلا في العام 2013م حين أعلن الرئيس هادي سقطرى محافظة مستقلة لكنه قرار متأخر جداً وفي لحظة ثارت حوله كثير من الشكوك، الأمر الآخر الذي يبرهن جمود الجانب اليمني تجاه جزره وهو كما يقول الدكتور إسماعيل الجند في مذكراته في صفحته بالفيس بوك " أبلغت من صديقي الدكتور / نوك فريك رئيس مجلس علوم الأرض بجنوب أفريقيا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قراراً يطلب من جميع الدول المطلة على المحيطات الإعلان عن ثرواتها الطبيعية التي اكتشفتها فيما يعرف بمناطق الجرف القاري خلال عشر سنوات من خلال صدور القرار وأقرت تقديم المساعدات الفنية للدول التي لا تمتلك القدرات لتنفيذ المسوحات بذاتها يقول الجند: أن الخارجية اليمنية آنذاك لم تكن على علم بذلك القرار وقد نصحني الدكتور الإرياني أن التقي بالمستشار القانوني حسين الحبيشي الذي دفعني لتوجيه دعوة للسيد نوك فريك وتم تنفيذ العديد من الاجتماعات وتم بعدها القيام برحلات وإنجاز دراسات علمية حول الجرف القاري التي تمثل امتداداً لجنوب شرق الأرخبيل بمساعدة مركز علوم البحار البريطاني، وقد تم تقديم الملف أمام اللجنة الدولية للأمم المتحدة من قبل عضو الفريق الفني الدكتور خالد خنبري ومعه رئيس اللجنة علي الصبحي.هكذا يسرد الدكتور إسماعيل الجند مذكراته في صفحته حول الأرخبيل بحسرة وندم وقد أدرك منذ زمن بعيد نهاية المأساة التي ظل سنوات يناضل للخلاص منها، ولكن لم يستشعر مخاوفه وهواجسه القلقة أحد من أصحاب القرار وبقت أناته تزداد اتساعاً في داخله يوماً تلو الآخر إلى أن غدت تلك المعضلة التي عاش معها سنوات مثار جدل واسع وبتنا نتشبث بقش ونعلن بصوت عال أن أرخبيل سقطرى يمنياً يا عالم؛ فسمعنا صداً لهذا الصوت يقول : ولماذا أهملتموه ردحاً طويلاً من الزمن .

 وطالما قد جرنا البوح إلى أروقته واستخرج ما يتوقد في صدورنا من غيظ ونار حول هذا الأمر فلن نتوانى في س

رد كل ما يتعلق بسقطرى من قريب أو بعيد كونها جوهرة خسرتها اليمن رويداً رويداً حتى تكاد أن تفقدها للأبد، والسبب عائد للتفريط الذي منيت به الجزيرة لعقود لولا ذلك التفريط المقيت فما كان مصيرها هذا الذي نشهده بأم أعيننا وقد طوقت سواعدنا بالعجز والحسرة وتشرنقت دولتنا وتمزقت جراء الصراع السياسي الداخلي والخارجي الذي دفعنا إلى فقدان الجزيرة وانكشاف أطماع المشاريع الاستيطانية والسطو المركب من قبل بعض الأشقاء الذين هندسوا وأداروا عجلة هذا الصراع بين الأطراف اليمنية وجنوا ثماره على حساب مناطق النفط والجزر الحيوية، وكان لهم باع طويل في إقصاء وإبعاد كل المسؤولين اليمنيين الذين وقفوا ضد مشاريعهم ونخص بالذكر الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيس الحكومة السابق الذي عزل وأحيل للتحقيق بتهم مزيفة، بينما هو في الحقيقة كان حجرة عثرة أمام أطماع المشاريع التي تستهدف اليمن وأمنه واستقراره وبمجرد عزل الرجل سقطت عدن وسقطت سقطرى ومحافظات اخرى في الشمال والجنوب، وتوسعت اللعبة أكثر بينما من يقف في منصبه أصبح رجلاً وطنياً بامتياز وفي المقابل أمثال الدكتور بن دغر نالهم الاتهام بالخيانة والعمالة، وقد اتكأت مطامع الآخرين حيلة التخلص من كل مسؤول يمني يقف في طريقها واستبداله بآخر حسب مواصفاتها يكون مناسباً للعمل الذي تنوي القيام به بمساعدة واسترخاء المسؤول الجديد وهكذا دواليك، لكن هذا الزيف والخداع بتنا ندفع ثمنه من دمنا وأرضنا ورؤوسنا مندسة في التراب، حيث يذكر الكثير ممن وطئت أقدامهم سقطرى في العامين المنصرمين أنه بمجرد نزولك من سلم الطائرة تصلك رسالة لهاتفك الخليوي تقول: أهلاً بك في دولة الإمارات العربية المتحدة ،كما تم تزييف المعلومات في موسوعة ويكبيدييا حول سقطرى وأنها إماراتية ، وهناك الكثير من الأعمال التي عملت على استبدال هوية الأرخبيل وطمس هويته واقتلاع مئات من الأشجار النادرة واقتلاعها، كذلك رفع أعلام غير الأعلام الوطنية لجمهورية اليمن الاتحادية ووضع أعلام التشطير أو الإمارات مكانها وبالأخير دفع الانتقالي لمواجهة السلطة المحلية وتثبيت وجود السلطات الإماراتية رسمياً عوضاً عن أصحاب الأرض والسلطة الشرعية القائمة .