الهجوم على الشمال السوري والرد التركي
بقلم/ د أحمد زيدان
نشر منذ: 5 سنوات و 5 أشهر و 30 يوماً
الخميس 30 مايو 2019 11:12 م
 

يشوب السياسات الدولية والمنطقوية في سوريا، منذ اندلاع ثورة الشام، كثيرا من الغموض والتردد يدفع ثمنه الشعب السوري بشكل يومي، بحيث يصعب على المحلل فهم سياسات هذه الدول، ولكن ما ظهر منذ الأول من رمضان حيث الهجوم الروسي مع مليشيات النظام السوري على الشمال المحرر الذي يضم حوالي خمسة ملايين مدني، بالإضافة إلى مساحة جغرافية تعادل مساحة لبنان، أن الهجوم هدف إلى تحقيق أغراض عسكرية وسياسية سريعة لفرض واقع جديد على الثورة السورية ومن خلفها الحليف التركي، ولكن صمود الثوار ومن خلفهم الداعم التركي أحبط المخطط، وقلب الطاولة على العدوان وأصحابه، وفرض بالتالي قواعد لعبة جديدة أول ما أضرّت بأصحاب العدوان والهجوم.

‏ كانت رغبة الهجوم الروسي المدعوم بمرتزقته من المليشيات الطائفية هو تحقيق اختراق عسكري مهم على الأرض، بحيث يتم قضم الجغرافيا الثورية تنفيذا لاستراتيجية «دبيب النمل» التي يتبعها الاحتلال وذيله منذ وقت طويل، ولكن هذه المرة فوجئ العدوان بتشكيل سريع وعاجل لغرفة عمليات مشتركة من كل الفصائل الثورية، مع تقسيم المحاور العسكرية فيما بينها، بالإضافة إلى ضخ الحليف التركي دعما عسكريا وتحديدا فيما يتعلق بالصواريخ المضادة للدبابات، وهو ما أحدث مجزرة بالدبابات والآليات العسكرية التابعة للمعتدين، رافق هذا موقف سياسي تركي واضح، يرفض تماما تغيير قواعد اللعبة المتفق عليها، والرضوخ للابتزاز العسكري التدميري، رافقه تحسن في التفاهمات التركية ـ الأميركية وهوما أقلق الجانب الروسي، لا سيما مع التهديدات والتحذيرات الأميركية والأوربية ضد أي توسع في الشمال السوري المحرر، كون ذلك سيطلق موجة مهاجرين جدد، تكون أوربا من ضحاياها، وسعت المليشيات الأسدية بالمقابل إلى اختبار الإرادة الغربية باستخدام مادة الكلور السام في منطقة الكبينه بريف اللاذقية، ولكن اكتفت القوى الغربية كعادتها بالتهديد والتحذير والوعيد.

‏ لا شك فإن الرد التركي على العدوان على الشمال المحرر هو رد على الانقلاب السياسي والديبلوماسي على تفاهمات الأستانة وسوتشي الذي أراده المهاجمون، وبالتالي فقد كان إحراجا للضامن التركي وهو الذي تعرضت نقاط مراقبته في الداخل السوري إلى قصف المليشيات الطائفية أكثر من مرة، لكن ووجه الهجوم الروسي هذه المرة بغياب مليشيات لا تزال تتصارع مع الروسي في مطار حلب وغيره، وتتباين معه سياسيا بسبب العامل الإسرائيلي الذي يشترط على الروسي تقليص الوجود الإيراني في سوريا، ومثل هذا التدافع الروسي ـ الإيراني استفادت منه قوى الثورة التي كانت ترى في السابق تقسيما للمعركة بين أرض يسعى الإيراني ومليشياته للسيطرة عليها وبين سماء يسيطر عليها الروسي، مما جعل هذه المعركة اختبارا لقوة الروسي وحلفائه من النظام السوري على العمل منفردين دون الداعم الإيراني.. ‏ قدرة الفصائل الثورية على استعادة مناطق مهمة من المهاجمين عزز مكانة هذه الفصائل، وعزز من ورائها مكانة الحليف التركي إن كان على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، وأرسل رسائل واضحة للمهاجمين أن الجانب التركي لم يعد يقبل بسياسة قضم المحرر، وأنه سيقف عسكريا وسياسيا في وجه أي تغيير للخطوط أو لقواعد اللعبة، ولكن مع هذا كشف الانتصار الثوري ومن خلفه التركي عن إمكانية فرض الثورة لقواعد لعبة سياسية وعسكرية جديدة، عنوانها أن الشمال المحرر ليس باللقمة السهلة التي بإمكان المعتدي أن يبتلعها، وإن حاول فسيغصُّ بها...