حينما يكون المتهم (جندي) من تعز, تستأثر (القبيلة) بالعدالة المختلة
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الثلاثاء 28 يوليو-تموز 2009 05:28 م

وفق مصادر موثوقة, فإن أكثر من 60 قضية خُصصت لملفاتها المتخمة بالأوراق بعض فراغات إرشيف الإدارة القانونية بوزارة الداخلية وستنتهي بها الأيام إلى الإرشيف العام للوزارة إن لم يكن مصيرها الإتلاف حرقاً أو ماشابه ذلك.

هذا المصير اللاعادل لتلك القضايا طبيعي جداً في دولة يحكمها لأكثر من 3 عقود نظام العدالة فيه تتحقق وفق رغبات القبيلة وشهوات النفوذ ومزاجية صانع القرار, ولا شأن للدستور والقانون بذلك, فمابالنا بمواثيق ومعاهدات وإتفاقيات حقوق الإنسانية الدولية؟, فجميعها يرمى بها عرض الحائط, جنباً إلى جنب مع أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية المفترى عليها بإستمرار.

والقضايا هذه تتعلق بجرائم قتل وإزهاق أرواح كان القتلى فيها ضباطاً وجنوداً سقطوا أثناء أدائهم الواجب وأهدرت الدولة دمائهم لسبب بسيط جداً هو أنهم في الأغلب من محافظة تعز أو ينتمون لمحافظات أخرى وأسرهم فقيرة ضعيفة ولا قبائل قوية تسعى للقصاص لهم, فيما القتلة يكونون بإستمرار من ذوي الإنتماء لقبائل ذات نفوذ قوي تقف حجر عثرة أمام تحقيق العدالة لهم وتعجز الدولة عن الإستئساد عليها – القبائل- بمبرر الإعتداء على (موظف عام) كما حدث لمخلاف شرعب قبل عامين تقريباً.   

ماذكرت ليس إفتراءاً أو مبالغة, فأمامنا نموذج حي من وسط العاصمة صنعاء, حيث يُفترض أن يكون للدستور والقانون تأثيراً فيها أكثر, لقرب (الأدراج) التي وضعت فيها (قراطيس النصوص القانونية), والأسبوع الماضي كان النطق بالحكم في قضية قتل (الطالب) بجامعة صنعاء.

 المحكمة قررت إعدام (الجُندي \شكري الصبري) قصاصاً بعد إدانته مع عقوبة سجن وغرامة مالية, والأمر يخص القضاء و(ذمة القاضي), ولا إعتراض عليه إلا بما يقره القانون من إستئناف وطعون.

لكن ما يتوجب أن أعترض عليه وأتناوله هنا أمورٌ أخرى, ففي جلسة المرافعات الختامية وحجز القضية للنطق بالحكم تقرر أن يكون موعد النطق بتاريخ 30 سبتمبر الموافق 11 شوال, أي عقب الإجازة القضائية, ليأخذ القاضي الذي كلف مؤخراً بالقضية بعد تعيين السابق رئيساً لمحكمة الصحافة وقته في دراستها والإطلاع عليها.

 لكن بسبب إحتجاج قبيلة القتيل حدثت (لخبطة) في مواعيد (قضاءنا المستقل) عجلت بالموعد بصورة مفاجئة, حيث تحرك عشرات القبائل من همدان للإحتجاج في رئاسة الجمهورية ووزارة العدل لطول المدة مابين جلستي المرافعات الختامية والنطق بالحكم ورغبتهم في دفن قتيلهم يرحمه الله, وهذا حقهم ولا يمكن الإنتقاص منه.

 ما كان غريباً هو الآذان الصاغية التي وجدتها القبيلة بسهولة في هذه القضية على عكس آلاف القضايا التي يحتج لأجلها اليمنيين من شرق البلاد إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها, والأغرب أكثر هو نقاوة قنوات الإتصال التي تلقفت الطلب وعكسته كجلسة طارئة رغم أن المتهم (جُندي للدولة), وعلى عكس ما كان لعقود, حيث أن زملاء كثيرين له تمتعوا بممانعة حكومية شديدة ضد إيصالهم للقضاء, وليس فقط حسم قضيتهم في فترة وجيزة. 

ولأنني كتبتُ في وقت سابق عن القضية مطالباً بمحاكمة عادلة للجندي لا يختل ميزانها بسبب قوة قبيلة القتيل وأياديها النافذة في ذات النيابة والمحكمة (غرب الأمانة), فقد وصلتني رسالة شفوية من أحد مشايخ همدان عقب الجريمة الرسمية في (رياشية) البيضاء, حيث هُدم منزل أسرة المتهم بقتل الطبيب القدسي, ومفادها بأن ما أقدم عليه أبناء تعز في الرياشية مبرراً قوياً لهمدان للضغط حتى القصاص لإبنهم.

ورغم أن كتابتي كانت واضحة, مساندة للعدالة وتقف موضوعياً – وليس مناطقياً - في صف القانون وحق الجندي بممارسة حقوقه, ومنها حقه في الدفاع عن نفسه, إلا أن ذلك فُهم بعقلية التعصب الأعمى ووضعني في خانة المناطقية – وحاشا لله أن أكون متعصباً كما فهموا ويمارسون-.

 تلقيتُ الرسالة ومضمونها, وكأن أبناء تعز هم من هدموا بيت المفلحي, وليست قوات أمنية وعسكرية أثق أنها تلقت توجيهاتها من قيادات لم يكن واحد منها من تعز, بل إن أقارب القدسي أصدروا بياناً أدانها كإنتهاك للشرع والدستور والقانون.  

ولتأكيد وقوفي في صف الشرع والقانون والحق والعدالة, فأعلن تسليمي بقرار القضاء في قضية (الجُندي) مهما كان الخلل في إجراءات المحكمة والنيابة التي أهدرت الكثير من حقوق المتهم ولم تلتفت لدفوع المحامين, وزادت بحبس الشاهد الوحيد الذي تجرأ على الوقوف أمامها, ولن أتحدث عن الإنتماء المناطقي لعضو النيابة المحقق وهوية المشايخ والنواب الذين حضروا جلسات التحقيق, التي حُرم المتهم فيها من محاميه وهو الوحيد من يوجب القانون حضوره.

ورغم أنني لست مخولاً بالحديث نيابة عن أبناء تعز, لكن لحرصي على العدالة بأن تسري على الجميع دون تمييز ما أو رضوخاً لضغوط القبيلة وسطوتها, فأطالب أيضاً بتأييد الحكم سريعاً من محكمة الإستئناف, وهي على بعد أمتار من سابقتها, وأرجو إعدام (شكري الصبري) الجمعة القادمة في ساحة جامع رئيسنا الصالح حفظه الله عوناً للعدالة ومظلةً لقضاءنا (المستقل جداً).

لكني اشترط لذلك, التعامل بالمثل من جانب القبيلة, فنطالبها بالتسليم بالحكم الصادر عن المحكمة الجزائية المتخصصة في جريمة القتل البشعة لـ(السياني) والتي تقشعر لها الأبدان, ولا تتفق وأعراف القبيلة حتى في حالتها الممسوخة حالياً, ولم يجرؤ صحفياً على تناولها بصورة أوسع من الخبر - غير صحيفة النداء - خوفاً من رد فعل المتهمين.

طبعاً أعرف أن أحد المتهمين بجريمة السياني هو نجل لشيخ لا أخاف تهديداته وسطوته, حيث لا أخاف سوى الله وحده الذي سيسألني في يومٍ ما عن عدم قول كلمة الحق أياً كانت تبعاتها, خاصة ان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم قد بشر من يُجاهر بها ووعده بمنصب (سيد الشهداء) برفقة عمه حمزة بن عبدالمطلب.

وعلى شيخ همدان الذي تصدر للقضية وتحركاتها وحضر جلسات تحقيق النيابة مع المتهم وجلسات المحكمة مهدداً متوعداً الجميع بمن فيهم محاموا وزارة الداخلية, أن يُسلم بحكم (الجزائية) ويضع نجله بين يدي القضاء وأمام عدالته سواءاً أثناء النظر في الإستئناف أو ليقضي العقوبة المقررة عليه ومرافقيه المحكومين بالإعدام أو السجن.

 بالتأكيد, لا يصح أن يظل القضاء يدون أمام إسم نجل الشيخ وغالبية المتهمين عبارة (فار من وجه العدالة), وواقعاً يُمارسون حياتهم الطبيعية داخل العاصمة وفي المحاكم والمؤسسات الحكومية, فيما الأب يُظهر حرصاً على تحقيق العدالة.

همدان كقبيلة أعتز بصداقاتي مع كثير من أبنائها, ولا مشكلة لي معها أو مع أبنائها بمن فيهم الشيخ ونجله أو القتيل وأسرته, وأثق أن الحال كذلك بالنسبة لكل أبناء تعز إذا تعاملنا مع الموضوع من منظور العصبية النتنة نعوذ بالله منها وممن يمارسها.

فقط, ننشد العدالة ونطالب بها لتظلل الجندي والطالب والطبيب والمعلم, الصبري والهمداني والحضرمي والعمراني والعدني والذماري, وكل مواطن يمني وإنسان يقيم تحت سماء الجمهورية اليمنية.

Rashadali888@gmail.com