الشيخ أبو الحسن لا يستبعد إنشاء السلفيين لحزب.. ويرفض دعوات الانفصال
بقلم/ ناس برس
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و يومين
الخميس 23 يوليو-تموز 2009 07:22 م

مادام الرئيس كفؤا يبقى مدى الحياة، للإصلاح مصالح من البقاء في المشترك وتحالفه مرتبط بشخص، بعدنا عن السياسة انفع لدعوتنا السلفية، لن نقوم بأي دور تمليه علينا السلطة، الحراك الجنوبي لا يعد خروجا على ولي الأمر، وغيرها مفردات حوارنا مع الشيخ أبو الحسن المصري الماربي ابرز رجال الدعوة السلفية في اليمن الذي يعتبره البعض مهندس السلفية اليمنية فإلى الحوار..

حاوره/ فايز المخرفي

* السياسيون يتحدثون اليوم عن تحالف بين السلفيين وبين السلطة، وقد عُقِدَ الملتقى الأول للسلفيين بصنعاء في شهر مايو المنصرم.. هل ما يُطْرَح حقيقة؟

- إذا كان المراد بالتحالف بين السلطة والسلفيين أن هناك عقدا ولقاءا جمع السلطة بالسلفيين، وتم الاتفاق فيه على أن يقوم السلفيون بدور معين تمليه السلطة عليهم، وإن خالف الحق، ولا يقوم به إلا السلفيون، فهذا لم يقع وما أظنه يقع، ولو أراد أحد هذا من السلفيين، فالسلفيون لهم إرادة وفهم وأصول ينطلقون منها، ولهم مشروع ورثوه عن الأئمة والعلماء عبر التاريخ، ولا يستطيع عالم ولا حاكم أن يحول بينهم وبين ثوابتهم إلا أن يشاء الله. وإذا وجدوا من شخص حاكم أو محكوم ما يخالف تلك القواعد (فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف).

أما إذا كان المراد بالتحالف هو أن السلفيين في واقعهم وفتاواهم وبرامجهم وأنشطتهم ليسوا مناوئين للدولة، وليسوا محرضين عليها، ولا هاتكين لأستارها، ويرون النصح وبيان الخطأ بالتي هي أحسن، فالسلفيون يفعلون هذا ديانة وعبادة دون اتفاق سابق مع مسئول كبير أو صغير، بل حتى لو أساءت إليهم الدولة، فهذا منهجهم، فالرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حث على الاعتصام بالجماعة وعدم السعي في الفرقة والفوضى، وأمر بالنصح وتغيير المنكر بمراتبه الثلاث، وإلا فالصبر حتى لا تحدث فتن أكبر إذا غلب هذا على ظن أهل الحل والعقد، فالحسن البصري وطاووس وسفيان الثوري وعبدالله بن المبارك وعدد من الصحابة والأئمة قبلهم وبعدهم إلى زماننا هذا نجد أن كثيرًا منهم ينأون بأنفسهم عن أن يجلسوا مجالس السلطان لما يحدث فيها من الظلم والتملق والتزلف وغير ذلك، ومع هذا إذا اسْتُفْتُوا في شيء يثير الفتن ويزعزع الأمن نهوا عن ذلك، وحذروا من عاقبة الفوضى، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم، وقد يقع من الظلم في ليلة واحدة مع الفوضى أشد من ظلم ستين سنة مع إمام جائر، ولهذا كان الإمام أحمد يُعَذَّب في دولة بني العباس بسبب قضية خَلْق القرآن، ولما استشير في الخروج على الواثق العباسي رفض، وقال: هذه فتنة، قالوا له: وأي فتنة أكبر من هذه؟ أي من قتل العلماء وحبْسهم، والدعوة إلى القول بخلق القرآن؛ قال: هذه فتنة خاصة –أي على طائفة العلماء وطلابهم فقط - وتلك فتنة عامة، فيها هتك الأعراض، وقطع السبل، أي الصبر على الفتنة الصغرى، حتى لا يتسع الخرْقُ على الراقع.

* السلطة نسَّقَتْ وَرَعتْ ملتقاكم؟

- لم أكن في اليمن وقت الملتقى، لكن أخبرني المشايخ بأنه ليس للسلطة دخل في الملتقى لا دعما ولا تنسيقا، ولو فرضنا أنها دعمتْ الملتقى بما لا يغير قناعات الحاضرين، فأي خطأ في هذا، وهي تدعم أنشطة البر والفاجر، والعدو والصديق.

* كان الحضور الرسمي موجودًا، والرعاية ملحوظة.. القاضي الهتار كان في مقدمة الصفوف؟

- الرعاية الرسمية موجودة من الرئيس أو وزير الأوقاف أو غيرهما من المسئولين لكل الملتقيات والفعاليات المدنية والثقافية والسياسية والاجتماعية بالجمهورية، فلماذا كان حضور معالي وزير الأوقاف في هذا الملتقى بالذات دليل الدعم والتحالف بالرغم من أن السلفيين لم يقولوا ولم يكتبوا في لائحة الملتقى أن هذا الملتقى برعاية وزير الأوقاف أو غيره كما يفعل غيرهم، ثم إن معالي وزير الأوقاف يحضر مع الصوفية والسلفية وغيرهم، فلماذا كان حضوره في هذا الملتقى بالذات مريبًا وموضع تساؤل؟! هذا يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها.

* البعض يسمي تطور العلاقة بين السلفيين والسلطة على أنه تَقَرُّبٌ نحوكم، ما تعليقك؟

- التقريب الرسمي أيضا للسلفيين لا وجود له، والواقع على خلاف ذلك، والدليل انه لو أراد أحدنا أن يبدي وجهة نظره لمسئول ما، أو يشفع في سجين أو غيره، ربما يجلس الشهر أو أكثر ولا يجد من يوصله إلى من يسمعه هذه الكلمات، وغير السلفيين ربما يتردد عليهم في اليوم الواحد أكثر من مرة، والمخالفون هم الذين يشيعون هذا الكلام، وهم الأقرب من السلطة مجلسًا والأكثر حظوة وعطاءً منا، ثم لو كنا فعلاً قريبين من السلطان، ونحن لا نتخلى عن ثوابتنا، ولا نطيعه في معصية الله، ونخفف بقربنا منه بعض الشر، فما العيب علينا في ذلك، ولماذا يكون القرب منه حلالاً لغيرنا، ودهاءً وكياسة، حرامًا علينا وسقوطاً وتبعية، هذا كله لو سلمنا بصحة هذه الدعوى.

* كان هناك زخم إعلامي واهتمام لما خرج به الملتقى؟

- ذلك الزخم لأسباب عدة بينها كثير من المنصفين بعد الملتقى، وإذا سلمنا أن هذا الزخم بسبب الرعاية الرسمية للملتقى، فليس هذا عيبًا مطلقًا، ولا بد أن يكون أي ملتقى كهذا تحت نظر الدولة، فنحن في مجتمع له مؤسسات ووزارات وإن كان هناك قصور في أدائها، ونحن السلفيون لا نتمرد على المجتمع، ولا نعيش بعيداً عنه، ثم لماذا لا يقال إن الملتقى كان فريدًا نوعيَّا غير متوقع، فلفت انتباه المجتمع ليروا قدرة أو فشل السلفيين على إدارة الأمور، أو أن هناك من فرح بهذه الخطوة طمعًا في أن يدخل السلفيون في المجال السياسي مستقبلاً، بعد أن أداروا له ظهورهم سنين طويلة، ولماذا لا يُفْهَم أن الحضور الرسمي هو لوزير يمثل وزارة الأوقاف التي يجب أن تهتم بملتقيات العلماء والأنشطة الدينية في البلاد؟! ولا يكاد ينقضي العجب من تناقض بعض الكتاب في الصحف، فمرة يصفون السلفيين بالإرهابيين، المتمردين على المجتمع، الذين تطاردهم السلطة، ومرة يصفونهم بأن السلطة تدعمهم وتحالفهم، وأنهم لا يعملون شيئًا إلا بإشرافها، فيا لله العجب!!

* برأيك هل نجح الملتقى؟

- كنت أتابع ما ينشر في الإعلام وأنا بالخارج، ورأيت أن السلفيين أثبتوا كفاءة غير متوقعة، وكثير من المنصفين أعجبوا بالملتقى وما خرج به من بيان ختامي متوازن، أفحم الشانئين المتهمين للسلفيين بأنهم فقهاء البلاط.

* ظهر انقسام في الملتقى، والبعض تغيب مثل الحجوري والإمام ؟

- الإخوة في جمعية الحكمة دعوا للملتقى.. وتَغَيُّب بعض الإخوة ليس دليلاً على فشل العمل، وما من جماعة إلا وفيها راض وساخط، وحاضر وغائب، ومع ذلك فليس هذا دليل الفشل في الأداء، ولم يظهر انقسام مؤثر في الملتقى، والدعوة الناضجة تحتمل اختلاف وجهات النظر فيما هو من مسائل الاجتهاد، ومن سميت من الغائبين هم مختلفون من قبل الملتقى مع إخوانهم، ثم اختلفوا مع أنفسهم، وذلك لأنهم ينحون نحو الغلو والتطرف، كتبديع الناس، وسَبِّهم، ولعنهم، والتشويه لصورة المخالف وإن كان أهدى منهم سبيلاً وأقوم قيلا، وعدم قبول أي حق من المخالف، والقبول المطلق من الموافق بعجره وبجره، لاسيما إذا كان كبيرًا فيهم، وهذا انحراف عن الاتجاه السلفي الصحيح، وجمهور السلفيين على الجادة، وسارت قافلتهم نحو الاعتدال والوسطية.

* لكن أنصار من تغيبوا يمثلون الأغلبية؟

- ليس الأمر كذلك، فنحن أعرف ببعضنا، وما تسمعون من خلال الإعلام غير صحيح، ومبالغ فيه لمقاصد أخرى، فأهل البيت أدرى بما فيه، نعم هم كثير، ولكنهم ليسوا بأغلبية، وليس معنى ذلك أن المخالفين إذا كانوا كثيرين فهذا دليل على فشل الآخرين، إنما هذا دليل على انحراف هذه المجموعة إذا لم تكن على الجادة، ولذلك فهم قد انقسموا بينهم البين إلى عدة انقسامات، والأيام تزيدهم انقسامًا، لأن هذا الفكر الذي شذُّوا به فكر انشطاري, فِكْرُ تآكلٍ لا منهج تكامل، فكر عدواني، وليس منهج رحمة وشفقة، أو تسديد ومقاربة، وقد رددت على فكرهم المخالف للأدلة في مجلدين (الدفاع عن أهل الاتباع)، وقد استرحنا حقيقة من فكر هذه الطائفة من وقت قديم، ونحن مشغولون بقضايا المجتمع الذي نعيش فيه، لا قضايا وهمية، أو نقيم الولاء والبراء على مسائل فرعية جزئية، وليس من المعقول أن يطغى فرع على أصل، أو تطغى جزئية على كلية.

* الحجوري والإمام منشغلون بقضايا الأمة كما يقولون؟

- الحجوري، ما هي قضايا الأمة عنده؟ هو منشغل في أبي الحسن مرة، وفي العدني مرة أخرى، وفي الوصابي مرة ثالثة، وكذلك الإمام، أما نحن فبماذا نتكلم عنهم؟ نقول: هم إخواننا وإن ظلموا وبغوا، وإذ سئلنا عنهم وعن منهجهم الذي خالفوا فيه الحق، بيّنا الحق، ونمدحهم فيما أحسنوا فيه، ونحن ندافع عن السلفية وبما ترمى به من خصومها، ولسنا مشغولين بالسلفيين.

* يقولون أنكم أصحاب الجمعيات تبحثون عن المال والربح لا عن الدين، ولم تعودوا سلفيين، وأن الجمعيات تتطور إلى أحزاب؟!

- هذا من فساد فهمهم عندما يرون أن فكرة الجمعيات تناقض الأصول السلفية، وهم بهذا يحكمون على جميع المنظمات والأعمال المنظمة في جميع المجتمعات بالحزبية والضلالة، وليس الأمر كذلك، لأن الجمعيات والمنظمات إذا كانت تؤدي إلى غاية حميدة فهي حميدة والعكس، والجمعيات هي وسيلة فقط، والحكم فيها ليس لذاتها، إنما يكون باعتبار ما تؤول إليه، والآلية التي تسير عليها، فمنها ما هو حق ومنها ما هو باطل، وعندما يقولون: أنتم أصحاب أموال.. ألم تقل قبل قليل: إنهم كثير بل أغلبية؟ فبماذا ينفقون على أنفسهم وعلى مراكزهم؟ طبعا بأموال، أم أنهم ملائكة، أو يعيشون في الفردوس الأعلى لا يأكلون ولا يشربون؟!

ثم هم يبحثون عن المال، ويطلبون من أهل الخير مساعدتهم أيضًا، ويشرحون لهم أنشطتهم وحاجتهم، ولهم مندوبون يضربون في الأرض كما يفعل غيرهم، فلماذا كان فعلهم زهدًا وعبادة، وفعل غيرهم سقوطًا وبلادة، لكن هؤلاء يعيشون كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب وتظن أنه لا يراها أحد.

أما كون الجمعيات ستتطوّر إلى أحزاب، فما معنى حزب؟ كل جماعة تأتلف على أمر ما فهم حزب، والجمعيات في ذاتها بهذا المعنى هي حزب، ولك أن تسميه حزبًا خيريًّا أهليًّا إغاثيًّا دعويًّا، فهذا لا شيء فيه، ولا يلزم من كلمة حزب أن يكون الحزب سياسيًّا، أو معارضًا، أو مذمومًا مطلقًا، فلسنا نقبل أي حزب بإطلاق، ولا نعادي أي حزب بإطلاق، إنما ننظر في عمل الحزب وبرنامجه، ونحكم عليه بموجب ذلك، وقد يكون الحزب محمودًا مطلقًا، أو مذمومًا مطلقًا، أو خليطًا من هذا وذاك، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، فالإجمال والعموم في موضع التفصيل والتعيين معيب عند العقلاء.

* تُتَّهم أنك انقلبت على مشايخك؟

- هؤلاء لا يفهمون حقيقة دعوة المشايخ السابقين واللاحقين، ولذا يزعمون هذا الزعم الباطل، وأنا إنما انقلبت على انحرافهم عن طريقة المشايخ لا على طريقة المشايخ الصحيحة، على أنني أعتقد أن المشايخ ليسوا بمعصومين، فإن كان الحق معهم قبلنا منهم ودعونا لهم، وان كانوا على خطأ في أمر ما رُدَّ عليهم واستغفرنا لهم، وهذا منهج أهل الوسط مع الموافق والمخالف، وأما التقليد الأعمى فيجمع بين الغلو والجفاء.

* الملتقى كان بعد ذكرى عيد الوحدة بأسبوع، هل أردتم توجيه رسالة لقادة الحراك الجنوبي خاصة بعد ظهور علي سالم البيض؟

- لا نعرف هذا التأويل السياسي للتواريخ، واختيار الموعد من الإخوة الذين نظموا للملتقى، أما أنا فقد كنت في سفر خارج البلاد. وليس عندنا تفاصيل كهذه، والمشغولون بالسياسة يحسنون هذا التوقيت وإرسال الرسائل هذه، أما السلفيون فقد أرادوا في ملتقاهم إيضاح موقفهم، وقالوا يلزم الدولة أن تصحح أخطاءها، أو أخطاء المنتسبين إليها، وعلى أصحاب الحراك أن يصححوا أخطاءهم وهي كلمة العدل التي ليس فيها تزلف لهذا أو لذاك، ولن تخرج البلاد من أزمتها إلا بتصحيح كل طرف ما يخصه.

* هل أبو الحسن وأنصاره مستعدون للدفاع عن الوحدة حتى بالسلاح؟

- أصْدَرْتُ شريطا قبل الملتقى بشهر تقريبًا، سميته الفتوى الشرعية في حراك المحافظات الجنوبية، وأنا أرى أن هناك أخطاءً من عدد من المسئولين في السلطة في صنعاء والمحافظات والمديريات، وكذا هناك أخطاء من أصحاب الحراك، وعند كل منهما جزء من الحق يتكلم به، وعليهم جميعًا أن يتعقلوا ويتبنوا الرأي المتعقل، وكل ما يحافظ على البلد ويحميها من الدخول في شلالات الدماء واليُتْم والحزن الذي قد يدخل إلى كل بيت، وليعلموا أن الدم المسلم مصان بحصانة الشريعة الإسلامية، والمسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وأرى أن هناك فسادا، وأن هناك أخطاء وأصوات نشاز عند بعض الناس في الجانبين. هناك من يقول نحن حررنا الجنوب، فأقول إن رجال الجنوب كانوا في مقدمة المحاربين للحزب الاشتراكي ولدعوة الانفصال آنذاك، ولولا الله ثم رضاهم بالوحدة, لما فتحوا ديارهم وبلادهم للشرعية، ولحصلت على الحدود بين الطرفين المجازر، ولقتل الألوف أو الملايين، وكذا من يقول إننا طورنا عدن وغيرها، فأقول لهم: لا تجوز المِنَّة على إخوانكم، فالعملية التنموية واحدة في البلد. والجنوب دخل الوحدة بقدراته وثرواته، وواجب الحاكم أن يطور عدن وغيرها، لكن لا يجوز إنكار ما حصل من تطوير – وإن لم يكن الموجود هو كل شيء- من الإخوة في الحراك، وهناك في الطرف الآخر أصوات نشاز أيضًا تقول إن الشمال محتل للجنوب، وتنظر للشمالي على أنه محتل، وهذه دعوى عنصرية باطلة، وتسبب فتنًا لا أول لها ولا آخر، فالإخوة من المحافظات الشمالية إخوانكم، وأكثرهم يأكل بعرق جبينه، وهو مظلوم في بلده وعندكم، ولا يجوز أن تعاملوا الصالح بمعاملة الطالح فلا تزر وازرة وزر أخرى، وهناك من يقول (يا دحابشة)، و(يا يهود جيش محمد سوف يعود)، إلى غير ذلك من شعارات وهذه كلها أصوات فتنة وشر، تقطر منها الدماء، وتظللها غمامة الفتن التي تهلك الحرث والنسل، فالواجب أن تسكت هذه الأصوات هنا وهناك وتسكت غيرها من الشعارات المثيرة للفتن التي تطورت لتخدم توجهات خارجية، وأرى أن الحوار الذي يتبناه الصادقون من أهل اليمن هو السبيل لإخراج اليمن من هذه المحنة، وأن على الدولة أن تبدأ بخطوات جدية في إصلاح الأوضاع، ورفع المظالم، واستبدال المسئول الذي باستبداله تهدأ الفتنة، وأن ما تحقق من ذلك من جانب الدولة يجب أن يُقر به الإخوة في المحافظات الجنوبية، فإن هذا الحال سيساعد على الخروج من الاحتقان الموجود، أما اللامبالاة من بعض المسئولين، والجحود ممن يقودون الحراك، كل هذا يصب في صالح أعداء البلاد، وإذا وُجِد من يرفض الحوار ولا تهمه مصلحة اليمن، ويسعى إلى الزج بالبلاد في فتن لا يغطيها ذيل ولا يسترها ليل، فيجب على الشعب بجميع طاقاته وانتماءاته السياسية والقبلية وغيرها أن يقف ضده أيًّا كان من الجهتين، هذا إذا صدقت النية لأننا في سفينة فإذا غرقت لا ينجو أحد منها. ومن خلال متابعتي للأحداث –وإن لم تكن متابعة عميقة- فإني أعتقد أن في داخل السلطة أناسًا هم ضد الوحدة، ويفسدون عليها مسيرتها، ويشوهون صورتها، علموا بذلك أم جهلوا، ولا يجوز أن يظهروا على أنهم الذين يمثلون الوحدة لا في المحافظات الشمالية ولا في المحافظات الجنوبية. فعندما يعرف المواطن أن فلانًا من المسئولين هو أكبر نهاب للأراضي، أو أكبر سارق للأموال العامة، والدرجات الوظيفية، والمشاريع التنموية، ثم يراه الناس يتكلم عن الوحدة ويتشدق بها فإنه بذلك يسيء إلى الوحدة، ويظن الناس أن الوحدة لا يمثلها إلا هذا وأمثاله، وأن الوحدة مكّنت للمفسدين، مع أن الوحدة يمثلها جمهور الشعب الشرفاء، والرجال الأوفياء من جميع الاتجاهات في المحافظات الشمالية والجنوبية، فيجب أن يُغير هذا المسئول ويُبعد عن السلطة، كما أن هناك في الحراك أناسًا يتكلمون عن حقوق الناس، وكما يقال كلمة حق يراد بها باطل، فلا يجوز الاغترار بهؤلاء، ويجب أن يستفيد الشعب في المحافظات الجنوبية من تاريخهم وتاريخ أمثالهم وأعمالهم المأساوية مع الشعب، نعم هناك أناس لهم حقوق، ويطالبون بأمور كفلتها لهم الشريعة والدستور، فيجب أن تلبى حاجاتهم، ويُفرق بينهم وبين الصنف الأول، ولا يُرمى الجميع بأنهم انفصاليون. 

الوحدة مطلب الجميع، ومطلب العقلاء في الشمال والجنوب، ومطلب كل يمني يدرك ما للانفصال من شرور وتداعيات، فالانفصال ليس هو الحل (فالانفصال هو بمثابة علاج الزكام بالجذام)، وإذا جحدنا أن الوحدة حققت شيئا من الخير في عدة مجالات، فقد خرجنا عن الجادة، وإذا قلنا إن الوحدة قد حققت كل شيء من البرامج التي طرحتْ على الناس، فهذا تملق وتزلف يُكذبه الواقع. فالوحدة حققت أشياء ويجب السعي لاستكمال ما تبقى، ويجب على جميع الصادقين المخلصين وضع اليد مع يد أمثالهم في السلطة لاستكمال مشوار تحقيق الأمن والتنمية وملاحقة الفساد والمفسدين، فالحكومة وحدها دون الشعب لا تفعل شيئًا يُذْكر، أما الحقوق والمطالب التي يطالب بها أصحاب الحراك، ويقولون إنهم ظلموا على يد مسئولين في الدولة أو غيرهم من المتنفذين المعتدين، فيجب على الدولة وبلا تردد أن ترفع اليد الغاصبة والظالمة، لأن هذا حق الرعية على الراعي. وأقول للإخوة في المحافظات الجنوبية إن نهب الأراضي ليس عندكم في عدن ولحج فقط، بل هو موجود في صنعاء وأحيانًا يكون تحت قعقعة السلاح وبالأطقم العسكرية من بعض المتسلطين. وأرى أن هناك مجموعة فاسدة من الشمال والجنوب تسببت في هذه الأزمات. هناك جنوبيون متنفذون داخل الجنوب، وشماليون متنفذون داخل الشمال والجنوب، وهذه العصابة الفاسدة شوهت صورة الوحدة، وعلى الدولة أن تنصاع لأصحاب الحق، وأن تعطي الحقوق لأصحابها براءة للذمة، والراعي مسؤول عن رعيته، وعلى الإخوة في الحراك أن يتركوا دعوى الانفصال والمواجهات التي تفضي إلى العنف، والتصريحات والتصرفات الاستفزازية، ويطالبوا بحوار يُجْمع فيه شخصيات اليمن الصادقة والمؤثرة، وتطرح عليهم الملفات كاملة، ويناقشوها، ويطالبوا بما فيها من حق. 

* لكن في ظل المعطيات الحالية هل أنتم مستعدون للقتال من اجل الوحدة؟

- لا نتكلم في هذا، فإن هذه مسائل دماء، وأمور مصيرية، وأي خوض في هذا يضر ولا ينفع، لأن هذه الدماء من الطرفين معصومة، وكلهم أهل إسلام، ولا نستجيز قتل هذا أو ذاك، ونحن دعاة إصلاح وإطفاء فتن، ولسنا مشاركين في هذا أو ذاك، وهذا أمر يهم علماء اليمن جميعًا، لا يعني شخصًا واحدًا.

* منذ أن علا صوت الحراك في المحافظات الجنوبية علا صوت السلفيين، ويبدو أنكم استغليتم الفرصة؟

- هذا تهويل من بعض الصحفيين، وإلا فالسلفيون صوتهم عالٍ دائمًا بالدعوة إلى ثوابتهم، وليست دعوتهم موسمية، نعم هناك أحداث تستوقف عجلة التاريخ، فلا بد من الكلام فيها، وأما ما يخص الدعوة إلى الملتقى فلأن السلفيين قطاع واسع في المجتمع له كلمته، بل هم جل المجتمع اليمني، لأنه مجتمع سني إلا من شذ ونأى بنفسه عن منهج أهل السنة والجماعة، سواء كان فردًا أو جماعة، فليختر لنفسه ما شاء، وهذا القطاع الكبير لا بد أن يكون له موقف بارز في الأحداث، ولا ينبغي أن يتحدث في قضايا الأمة محللون سياسيون، أو مديرو قنوات فضائية، أو مغرضون جاهلون بعيدون عن النظرة الشرعية، والعلماء ساكتون.

* البعض ينتظر من السلفيين بفارغ الصبر فتوى تكفر أصحاب الحراك؟

- السلفيون يريدون رضا الله في فتواهم، ولا يتزلفون إلى حاكم أو محكوم بالفتوى، لأن الفتوى بلاغ عن الله، ونعوذ بالله أن نقول على الله وعلى رسوله وعلى الإسلام بغير علم أو تقى، والسلفيون يقفون على أمر الفتوى بالأدلة الشرعية، وكما قلت نحن دعاة إطفاء الفتن، ولا يجوز لأحد أن يقر استمرار الحراك في قطع الطرق، وإثارة الأوضاع، وخلق الاحتقان، كما لا يجوز للدولة أن تتجاهل أي مطلب حق، فإن الله سائلها عن رعيتها، وأما فتاوى الدماء والحرب فنعوذ بالله من الخوض أو التسرع في ذلك.

* برأيكم كعلماء في ما لو حصلت مواجهات؟

- لكل حَدَثٍ حديث، وهذا الأمر لا يستقل به عالم، فلا بد من تشاور العلماء وأهل الحل والعقد في جميع المحافظات الشمالية والجنوبية، أما أن كل رجل يصيح من وادٍ أو شِعب فهذه فوضى وهمجية، العلماء الربانيون منزّهون عنها، وكما قلت لك إن دماء المسلمين معصومة لا تباح إلا بأمر جلي يفتي فيه أهل الفقه والفهم والاستنباط والخبرة بالحال والمآل.

* هل يتصور أبو الحسن لو تطور الحال أن تنحصر المواجهات بين شمال وجنوب؟

- لو حصل مكروه -لا قدّر الله بسوء- أتوقع أن الشمال يتحارب بينه البين، والجنوب يتحارب بينه البين، ولن تكون حربًا بين شطرين كما يظن بعض الناس، فالناس قد اختلفت مشاربهم في كل قرية ومدينة، ولو تم الانفصال كما يعتقد البعض بين شمال وجنوب على ما فيه من شرور وما فيه من بلاء على اليمن، فهو أخف من الانفصال الذي سيقع لا قدر الله بسوء، لأن كل دولة ستحرك أنصارها والموالين لها للتخريب في الدولة الأخرى، إلا أن يلطف الله بالجميع.

* اعتبرتم الحراك خروجًا على الحاكم ؟

- لم أقل بهذا قط، ومسألة الخروج فيها تفصيل، ولا نستطيع أن نقول إن من يطالب بمسائل حقوقية صحيحة أنه خارجي، ومن يقول أنا مظلوم وحقي مأخوذ، وقد سمحت له الدولة أن يسير في مسيرات سلمية ينادي فيها بحقه، لا يمكن أن يقال هو خارجي، لأنه متأول في هذه الحالة، والتأويل يدفع الحكم على الشخص، لكن من يحب أن يصطاد في الماء العَكِر، أو يُعَكِّر الماء ليصطاد فيه، ويريد من وراء مطالب المظلومين أن يزيد البلاد والعباد ظلمًا وفسادًا، فهذا له شأن آخر، ولا نسوي بين الأمرين، على أن طريقة المظاهرات لي فيها رأي معروف، ليس هذا موضعه. 

* إذن ما هي الطريقة الصحيحة للمطالبة بالحقوق في نظرك ً؟

- تشكل لجان حوار موسعة، ويطالب أعيانُ البلاد المنصفون والمؤثرون بالسعي في الحلول، بعد أن تعرض عليهم المشاكل والملفات، ويبحثون العواقب إذا حصل إهمال وتقصير، كي يعملوا على تداركها وحل الأزمة قبل تفاقمها، وهذه هي الطريقة الشرعية التي يسمح بها الدستور الإسلامي. 

* يُطْرَح في خطاب أصحاب الحراك أن الوحدة انتهت في عام 1994م، ما رأيك؟

- نحن دعاة اجتماع أمة كاملة [إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ] فإذا تحقق جزء من هذا الهدف، فنحرص أن لا يضيع هذا الإنجاز من أيدينا، وإذا اجتمع اليمن بشطريه فهو نواة لوحدة غيره – إن شاء الله- ومن هذه الناحية ننظر على أن الوحدة مطلب شرعي، وهي ضرورة معيشية، يأمن فيها الناس من فتن التشطير ومكايداته، وتتسع أبواب الخير على الجميع، فقبل الوحدة كان نظام التشطير والبغضاء والمهاترات بين أهل اليمن، وكان هناك غزو بين القبائل على الحدود وتسميم للآبار، وتفجير للمضخات، ودعم التيارات المخالفة لإثارة القلاقل، إلى غير ذلك، كانت الكراهية موجودة بين الناس، وبفضل الله تعالى ثم بالوحدة ذابت هذه الفوارق، وإن لم تحقق الوحدة كل شيء، فقد تحققت بها أشياء كثيرة، وواجب الصادقين أن يعيدوا الأمور إلى نصابها، وتحث شعار (نعم للوحدة لا للفساد والمفسدين)، فهناك فساد موجود، لكن لا نقول إن الوحدة هي السبب فيه، بل الأشخاص المفسدون هم السبب، وعلى الدولة أن تبادر بعلاج الفساد قبل استفحاله، فإن تأخر العلاج عن وقته فإما أن تخضع الدولة بعد ذلك للخصم, فيزداد عتوًّا، وإما أن تستمر في تجاهله، فتخسر أنصارها، الذين لا يُقِرُّون الخطأ، وبذلك تفقد هيبتها، وهذه باقعة ليس لها راقعة. 

* هل تعتقد أن الدولة خسرت هيبتها؟

• لا شك أن هؤلاء الذين هم في الحراك سقطت في نظرهم هيبة الدولة، وكذا عند أحزاب المعارضة وغيرهم من شرائح المجتمع في الشمال والجنوب، لقد حصلت أمور سيئة في هذا الباب، فقد كان للدولة هيبتها، عند أكثر الناس، لكن الفساد وغيره غيّر كثيرا، وإن كان الأمل لم ينقطع في إصلاح ما أمكن من هذه الأمور، وأقول: العلاج المبكر هو الحل، وأي شيء لا يأتي في وقته يضر، كأن يأتي قبل أو بعد وقته فإنه يضر.

* تتابع التحولات من 94م، هناك من يقول إن الجنوب محتل.. ما رأيك؟

- جزما إن هذا قول خطأ، لم يكن الجنوب محتلاً، الوحدة موجودة واقعا، وبرضا الجميع وإرادتهم، وهي واقع موجود، وليست خيالية, كانت هناك دولتان فأصبحتا دولة واحدة، كان هناك رئيسان، وعَلَمَان، ووزارتان للداخلية والخارجية، فصار كل هذا شيئًا واحدًا. الشعب في المحافظات الشمالية امتزج بالشعب في المحافظات الجنوبية، الوزارات والإدارات والأعمال التجارية تداخلت في بعضها، الزواج والمصاهرة قد ملأت البيوت هنا وهناك, إنكار هذا تكذيب للسنوات الماضية والواقع، بل عندما يتكلم أصحاب الحراك بأنهم لا يريدون الوحدة أو ينادون بفك الارتباط، هذا بعينه إقرار أن الوحدة موجودة، ولذا يطالبون بفك الارتباط، ولكن يجب أن تصحح الأخطاء، ولا ترتبط الأخطاء بالوحدة، ولا يُطلق على كل من يطالب بحق شرعي إنه انفصالي.

* ترى أن أصحاب الجنوب مغيبون في السلطة؟

- كثير من المسؤولين الشماليين والجنوبيين مغيبون، ويتهيبون القطع في أمور هي من صلاحياتهم، وقد يكون ذلك لتضييق عليهم أو على بعضهم، وقد يكون التضييق بحق أو بغير حق، وقد يكون ذلك لضعف همة وعزيمة المسئول نفسه، وقد يكون ذلك للظروف العامة والخاصة التي تمر بها البلاد من انفلات أمني وغيره، لكن من كان قويًّا في نفسه؛ فإنه يفرض نفسه – ما أمكن- بما يكفله له الدستور، والضعيف ضعيف سواء كان من الشمال أو الجنوب.

* كتمثيل هل الجنوبيون متواجدون وممثلون؟

- نعم، كثير من الوزارات السيادية والأماكن الهامة مع الإخوان من المحافظات الجنوبية، فرئيس الوزراء، ونائب رئيس الجمهورية، ووزير الدفاع، والنفط، والتعليم العالي و.. فهذا واقع وموجود، والشعب يعرف ذلك، وأنصح الإخوة في الحراك بالتعقل في الطرح، حتى لا يخسروا من يساندهم في مطالبهم العادلة، أما إذا طالبوا بالانفصال، حتى وإن استجابت الدولة لمطالبهم، وادَّعَوْا أنهم محتلون من قِبل الشمال، أو يفتحوا باب الاعتداء على أحد من المحافظات الشمالية في المحافظات الجنوبية، فإنهم سيخسرون الملايين التي تساندهم في مطالبهم الصحيحة من المحافظات الشمالية، فعندما يفعلون ذلك، فإنهم سيخسرون بذلك قدر 19 مليون من الشمال، ويوغرون صدورهم عليهم.

* ما موقفكم من المعارضة ممثلة في اللقاء المشترك؟

- المعارضة لديها أشياء حق، ونشكرها على ما تحقق على يديها من إصلاحات، وعندها أشياء أخرى لا نقرهم عليها، كأن يجحدوا وينكروا كل شيء حسن من المخالف لتشويه صورته، وكذلك أسلوب التحريض والتهييج فنحن لا نقره، هناك إيجابيات وسلبيات، وهذا موقفنا الثابت، وحتى لو تغير الحال وحَكَمَتِ المعارضةُ البلاد، فسنقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يجوز الخروج على ولي الأمر، لأن هذه ثوابت دينية ليست مربوطة بالعواطف والأمزجة، نحن نريد حزبًا حاكمًا يتقي الله في شعبه ورعيته، وحيث قد فرضت علينا نظم غربية ديمقراطية فنريد معارضة همها المصلحة العامة، لا تشويه المخالف وإنكاره وجحوده حتى فيما أصاب فيه، فإن ذلك يفضي إلى التكتل المذموم، والتكتل إذًا عبارة عن كتلة ضد كتلة فهو تدمير للمجتمع أيا كان.

* البعض من السلفيين في الملتقى طالب حزب الإصلاح بالخروج من المشترك هل تطالبهم بذلك؟

- هذه وجهة نظر قديمة من السلفيين، يرون أن في حزب الإصلاح علماء ودعاة مصلحين، -على خلاف معهم في بعض الجوانب- والحزب في الجملة له صبغة دينية وإن كان سياسيًّا سياسة عصرية، فيما الأحزاب الأخرى لم تجعل المسائل الدينية ضرورية في برامجها بخلاف حزب الإصلاح –حسب علمي- فكنا نرى أن بقاءهم خارج المشترك أحسن، وأبقى لصبغتهم الدينية على ما فيها من مؤاخذات، لكنهم يرون أن دخولهم حقق لهم مصالح في بقائهم وفي قوة شوكتهم إلى غير ذلك، ولكني أرى أنها تحالفات مؤقتة، وكلها مرتبطة ببقاء شخص معين، فإذا ذهب هذا الشخص ظهرت الفوارق، وربما حصل ما لا يُحمد، ولكن عندما نقول إن حزب الإصلاح له صبغة دينية، لا نعني بذلك أن الأحزاب الأخرى ليس لها صلة بالدين، فإننا نرى أن أفراد الأحزاب الأخرى مسلمون، سواء كانوا في الحزب الاشتراكي أو البعثي أو غيرهما، لأنهم مسلمون أبناء مسلمين، ودخلوا هذه الأحزاب متأولين ظانين أن هذه البرامج لا تخالف الدين، وليس في قناعتهم أنهم يحاربون الدين بذلك، نعم هناك في برامج الأحزاب هذه ما ينكره الدين إنكارًا صريحًا، لكن لا يجوز أبدا تكفير أي مسلم بمجرد أنه ينتسب إلى حزب اشتراكي أو غيره، خاصة بعد أن تركوا الأقوال الغالية في الرب عز وجل والدين الحنيف، وغير ذلك، فإننا لا نطلق الأحكام على الأشخاص بموجب اللافتات، والأسماء والألقاب، ففرق بين الحكم العام والحكم على المعين، والحكم على القول والحكم على القائل، وأهل السنة أبعد الناس عن الغلو في التكفير وإن كفّرهم بعض مخالفيهم.

* شخصيا تتمنى خروج حزب الإصلاح عن المشترك؟

- أتمنى أن يكون كل من لهم توجه ديني وغيرة على ثوابت الدين أن يجتمعوا جميعًا، ويكونوا يدًا واحدة على الحق، سواء السلفيين، أو الإخوان، أو التبليغ، أو المعتدلين من الصوفية، الذين ليس عندهم شركيات وبدع كبرى، كنداء الأموات من دون الله، والذبح عند القبور، واعتقاد أن غير الله من الموتى ينفع ويضر ...إلخ، نريد أن نجتمع ونكون كيانًا واحدًا، بل من كان يهمه أمر الدين وثوابته، وأمن البلاد ومقدراتها، والحفاظ على ما يصلح المعاش والمعاد، فإننا نمد أيدينا إليه، ويكفي في هذا الاجتماع توافر ثوابت أهل السنة والجماعة ومواضع إجماعهم، أما المسائل الاجتهادية أو الخلافية، أو الأخطاء التي لا تناقض الأصول، فإن هذا كله لا يترتب عليه خروج من دائرة السنة، ولن تقوم للناس قائمة إلا بهذا الاعتدال، وإلا فالخلافات لم يسلم منها أحد حتى أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورضي الله عنهم.

* يقولون أنكم عصا السلطة لضرب تجمع الإصلاح الذي تمرد على السلطة.. ما ردك؟

- بعض إخواننا في حزب الإصلاح ونحوهم من الصحفيين أكثر من يشيع هذا القول –وللأسف- وعليهم أن يدركوا أن إخوانهم السلفيين ليسوا عصا في يد أحد إلا أنهم عصا في خدمة الإسلام، وأنهم لا يستحلون دم أو مال أو عرض مسلم ليرضى عنهم أحد إلا الأحد الصمد، والسلفيون يتعرضون للأذى الكثير من إخوانهم في الإصلاح، فما هو رد أهل الاعتدال عليهم في حقوقهم الواضحة؟! فضلاً عن أن يستعملهم فلان أو فلان في غير قناعاتهم الدينية. يجب أن يُعلم أن الدعوة السلفية أكبر من هذا الحال.

* السلفيون يختلفون في كل شيء عدا الإجماع على عدم الخروج على ولي الأمر؟

- هذا غير صحيح.. هذه جزئية مما اجتمعوا عليها، وهي من مفاخرهم، وما يُحْسَب على دعاتهم عبر عدة عقود أي مشاركة في إفساد مجتمعاتهم، والواقع أن السلفيين اجمعوا على أمور أخرى غير طاعة ولي الأمر في المعروف، منها الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وعدالة الصحابة، والإيمان بالحوض والشفاعة، ومكارم الأخلاق، وغير ذلك من أصول الدين وقواعده، بل إن ما أجمعوا عليه أكثر مما اختلفوا فيه، ولم يختلفوا في شيء من الأصول، ولله الحمد.

* عندما يخرج الحاكم على الناس ما حكمه؟

- الأحاديث النبوية بينت الحكم الشرعي في ذلك، فمن ذلك قول بعض الصحابة: يا رسول الله، أرأيت إن ولي علينا أمراء يطلبون حقهم ويمنعون حقنا؟، فقال: (أدوا الذي عليكم، وسلوا الله الذي لكم). وقال: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلْتم).

فخروج الحاكم وانحرافه عن الجادة يُعَامَل بهذه الأحاديث، وإجماع علماء السنة على ذلك، هذا مع نصحه، وتذكيره بالله وحق الرعية عليه، على أنه يفرق بين الحاكم الذي له شوكة، والذي ليس له شوكة، فالذي ليس له شوكة، يمكن خلعه من قبل أهل الحل والعقد إذا لم تحصل فتنة من وراء ذلك، وإذا كان له شوكة فإنه سيصر على موقفه، والآخرون سيصرون على موقفهم في خلعه ومنابذته، فتحصل المواجهة، وتسْفَك الدماء، فإذا ضعفت الأمة جاء العدو وتسلط عليها، وعاث في الأرض فسادًا، إذًا الأوْلى في هذه الحالة الصبر مع النصح، والتعاون على تكميل الخير وتعطيل الشر أو تقليله ما أمكن، لكن بعض الصحفيين لا يعجبهم هذا، أصحاب المشروع الجبري من زمن بني أمية إلى الآن، أو الفقهاء التقليديون، أو فقهاء البلاط، وكل هذا فرية بلا مرية، وانظر إلى آثار المنهج المخالف في عدة جهات في العالم من قبل ومن بعد. 

* كونك أحد السلفيين ما هو حجمكم في اليمن وما هي خارطة تواجدكم في المحافظات الجنوبية؟

• الواقع يحكي بما فيه، ولولا تواجدهم القوي في المجتمع ما شن عليهم كثير من الصحفيين والكُتّاب هذه الحملة المسعورة، والدعوة في المحافظات الجنوبية من أوسع الدعوات الموجودة هناك انتشارًا، ولله الحمد.

* نسمع أن هناك توجُّهًا لإنشاء حزب سياسي لكم؟

- نحن الآن حزب خيري دعوي، قد اجتمعنا فيه على نصرة الكتاب والسنة ونصرة طريق الصحابة، وإن لم نكن حزبًا سياسيًّا، فكل قوم اجتمعوا على أمر ما، وتناصروا عليه، فهم حزب، فإن كانوا قد اجتمعوا على حق، فهو حزب ممدوح، وإلا فمذموم بقدر مخالفتهم للحق، لكن حسب علمي ليس عندنا في هذه الفترة توجه لحزب سياسي.

* صحف قالت أن الشيخ الزنداني سيكون رئيس الحزب؟

- لسنا حزبًا سياسيًّا، وليست عندنا هذه النية حاليًّا، وليس شرطًا أن يكون لنا زعيم، والدعوة السلفية ما لها أمير، وهم يتفقون مع علمائهم وكبرائهم على الأدلة وأصول الدعوة، وأما ما ذكرته عن الشيخ عبد المجيد – حفظه الله- فلم أسمع بهذا إلا منك، وهو رجل فاضل له تاريخه ورصيده، وله غيرته على الإسلام، وهناك وجهات نظر بيننا في بعض الأمور، ونتناقش فيها في جو من الأخُوَّة، ونعالج مسائل الخلاف بتعقل وإدراك للمرحلة التي تمر بها الدعوة، وإذا فكّرنا في حزب سياسي؛ فعند ذاك سنعلن من رئيسه!!

* يقال أيضا أن الأمريكان أوصوا السلطة في بلادنا باستيعاب السلفيين في العمل السياسي؟

- لا أستبعد أن يوصوا بهذا، وليس لنا علم بشيء من ذلك، إلا أننا نرى أن بُعْدَ السلفيين الآن عن السياسة أنفع لدعوتهم من الدخول في السياسة.

* بالحزب السياسي يمكنكم التأثير على صانع القرار؟

- ربما لو دخل السلفيون السياسة –وهم على هذا الحال- لأضاعوا كثيرا من ثمرة جهودهم في الفترة الماضية، ولو دخلوا دهاليز السياسة والكذب وهم لا يسبرون غور هذا الأمر بدقة، فلربما ظهرت لهم أخطاء وزلات لا تُسْتَدرك ولا تُعَالَجُ، وقد يكون من السلفيين من يرى فعل هذا، ولكن ما أعلمه أن الغالبية متوجهون إلى الاجتهاد في العلم وتربية الأجيال، وعلى كل حال فالخلاف في ذلك عندنا لا يؤثر على صدق سنيّة الرجل وسلفيته.

* قلت لي في حوار سابق أنكم ستشاركون في الانتخابات؟

- الذي قلته أننا مستعدون للمشاركة في الانتخابات إذا رأينا المصلحة في ذلك، وإلا أعرضنا عنها، ثم هناك فرق بين أن نشارك في الانتخابات وبين أن يكون للسلفيين حزب سياسي، فلم يفكر السلفيون في هذا الأمر حتى الآن حسب علمي، وإذا رأينا أن المصلحة في إنشاء حزب، أو خوض الانتخابات، وأن ذلك هو الطريق الوحيد أمامنا، فسنعمل ذلك – إن شاء الله- وأما ما يخص الانتخابات فلا زلت أقول إننا مستعدون للمشاركة إذا ارتأينا أن المصلحة فيها، حسب قناعتنا، لا بإملاء أحد علينا، ونرى أن هذا من باب تكثير الخير أو تقليل الشر.

* دعوت السلفيين ليقيدوا أسماءهم في سجلات الناخبين المرة الأخيرة، هل استجابوا؟

- فتواي في هذا واضحة .. فمن الناس من استجاب، ومنهم من رفض، ومنهم من تكاسل، فالأمر في ذلك سهل عندنا، بل أنا نفسي لم أسجل اسمي بعد.

* الديمقراطية من وجهة نظرك.. هل منها فائدة؟

- حيث وقد أصبحت أمرًا مفروضًا على البلاد، فلا نرفضها برمتها ولا نقبلها برمتها، والمنهج الوحيد الذي نقبله برمته هو المنهج الإسلامي، فإذا وُجد ذلك، فلا نريد عنه بديلا، لا ديمقراطية ولا غيرها، وإذا فُرض علينا غيره؛ أخذنا منه ما وافق الحق، ورددنا غيره حسب استطاعتنا.

* كيف تقبلون بها وأنتم ترون أن مبدأ التداول السلمي للسلطة غير مقبول، وهو الأساس، وتفتون بأن يبقى ولي الأمر وليا حتى يموت؟

- نحن ننطلق من أدلة نبوية، وتاريخ أمة الإسلام وخلفائها، ولا نعرف أن خليفة أو وليا استمر على كفاءته في الولاية، ثم تولى مرحلة محددة بأربع سنوات، أو خمس، أو سبع، ثم انتهى مفعوله بعد ذلك، بل لا نعرف هذا في تاريخ الفرس والروم والعرب والعجم، فما دام كفؤًا وأهلا لذلك بقي، ومن كان عنده خلاف ذلك، فليذكر دليلا من القرآن أو السنة أو تاريخ الأمم على ذلك قبل الديمقراطية، ومع ذلك فمن كان لا يندفع شره، وسيأتي خير منه إلا بتحديد المدة، طالبنا به باعتبار أن النظام يقضي بذلك. 

* يطرح البعض أن الرئيس محتاج لعلماء السلفية ليبرروا شرعية حكمه، بعد أن فقد علماء الإخوان الذين انضموا إلى المشترك؟

- هذا من القول على عباد الله بغير علم، ورمي الأبرياء بما هم منه براء، ولا يصدر هذا إلا ممن يتحامل على الدعوة السلفية أو ممن يجهلها.

* تبررون للرئيس بقاءه واستئثاره بالسلطة والثروة؟ .

- الديمقراطية ليست قرآناً منزلاً، فعند الاختيار لا نقبلها، وعند الاضطرار نفصِّل فيما وافق الحق قبلناه، وإلا رددناه، ولو رأينا أن الاستدلال بالديمقراطية سيخفف من الظلم استدلينا بها، ثم لو طالبنا بإلغاء الديمقراطية فليس معنى ذلك انه سيطبق النظام الإسلامي, وإذا كان سيترتب على إلغاء الديمقراطية تطبيق المنهج الإسلامي فسندعوا الليل والنهار لهذا، نحن لا نتسرع في إذهاب ما هو حاصل لنجرب ما سيأتي، ولا نريد أن يظل مصير البلاد حقل تجارب بالدماء والأنفس والأعراض والأموال، ولا نبرر للرئيس ولا لغيره أن يخالف نصًّا قرآنيًّا أو نبويًّا، ولكن لا يلزم أن نفكّر ونفهم الأمور بطريقة غيرنا!!

* هناك من يصف السلفيين بأنهم ذيل بغلة السلطان، ما هو ردك؟

- هذا من الافتراء، والدعوة السلفية ليست دعوة أموية، ولا عباسية، ولا عثمانية، ولا سعودية، ولا يمنية، ولا شرقية ولا غربية، بل هي مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أما أننا ذيل بغلة السلطان، فالسلفيون أبعد الناس عن أن يكونوا من الملازمين للسلطان، أو أنهم أتباعه في الباطل، بل هم لا يقلدون علماءهم ولا كبارهم وهم الأتقياء الأنقياء تقليدا مطلقا، فكيف يقلدون الحاكم وإن جار تقليدا مطلقا، بل الحاكم إذا كان عادلا فإنه لا يُقَلَّد عندنا التقليد المطلق، لأنه ليس بمعصوم، ولو فرضنا جدلاً أن السلفيين في ركاب الحاكم المسلم على جوره فهذا على ما فيه أقل مفسدة من أن يكونوا في ركاب اليهود والنصارى والماسونيين والأعداء، فينفِّذون لهم مخططاتهم في طمس هوية الأمة، وفصْلها عن ثوابتها ومحاضنها العتيقة!! وعلى كل حال فمن كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة. 

* هل سيُعَدَّل خطابكم نحو من تسمونهم بالرافضة؟

- نحن لا نسمي من عند أنفسنا، ولا نخاصم أحدًا لأنفسنا، نحن متبعون ولسنا مبتدعين، نحن نقتدي بالرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والصحابة وصالحي القرابة الذين زكاهم الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد أثنت عليهم الأمة إلا من شذَّ، ولذلك فخطابنا معهم في عدة محاور، الأول بيان ما هم عليه من معتقد مخالف للكتاب والسنة بسبهم للصحابة مع عقائد أخرى ليس هذا مجال بسطها، والثاني ننكر الفتن الدموية التي حصلت بسبب أفكارهم في صعدة وغيرها، وقد يكونون أبرياء في بعض جزئياتها، والأمر الثالث الشعارات التي يتخذونها مطية لأمور أخرى، فالموت لأمريكا وإسرائيل كلمة يلهبون بها مشاعر العامة، إلا أن القتلى هم أبناء اليمن من العسكريين والمدنيين، ولا يقتل أمريكي أو إسرائيلي في صعدة أو في صنعاء، مع أنه لا يجوز قتل من دخل من غير المسلمين بلاد المسلمين آمنا، ولا يجوز قتل الإنسان غير المحارب بعينه، ومع ذلك فنحن لا نحكم على أحد منهم بأنه كافر أو خارج من الإسلام، بل نراهم من جملة المسلمين، أما الإمامية فيرون أن من لم يكن جعفريًّا فهو كافر، وبهذا كفّروا جمهور الأمة، فمن هم الغلاة في هذا التكفير؟! إلا أنهم ومن معهم من الصحفيين يجيدون التباكي بأن أهل السنة يُكَفِّرون الناس، فليسموا لنا من الرجل السلفي في اليمن الذي كفّر رجلاً بعينه، بزعم أنه يخالفه، أو أنه شيعي رافضي؟! نعم السلفيون يحذرون من الأفكار والمقالات المخالفة، لكن عندهم فرق بين الحكم على القول والحكم على القائل، لكن الهوى يُعمي ويُصِم!! 

* قتل واختطاف تسعة أجانب في صعدة مؤخرا ما تعليقك؟

- هذا يخالف الدين والمصلحة العامة للبلاد، وموقفنا في ذلك واضح مع بسط أدلته الشرعية في غير هذا الحوار.