يخدمون صالح ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً!
بقلم/ محمد العبسي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 10 أيام
الإثنين 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 12:21 ص

تقول المعارضة اليمنية "إن القاعدة صنيعة قصر الرئاسة"! بينما يقول جاك كلونان عميل الـ FBI بوحدة مكافحة الإرهاب "إن الاهتمام الأمريكي بالخلايا الجهادية في اليمن بدأ عام 1995 إثر انشقاق جمال أحمد الفضل، أحد مساعدي بن لادن وحراسه، الذي تتهمه القاعدة باختلاس مبالغ ضخمة من أموال بن لادن" والذي قدم لاحقاً لـ CIA ، حسب كلونان "ثروة معلومات هائلة لم يكونوا يعلموها، عن بنية التنظيم والأشخاص والجهات الممولة مروراً بالعمليات والتعاملات المالية في اليمن والسودان". وفي هذه الحالة أحدهما مخطئ: إما المعارضة وإما CIA !

تقول المعارضة اليمنية "إن القاعدة تعمل بالريمونت كنترول من قصر صالح" بينما يقول أول حكم قضائي تم بموجبه إدانة الشيخ أسامة بن لادن، رسمياً، في المحاكم الأمريكية عام 98 أن له علاقة وثيقة باليمن. مؤكد أن أحدهما مخطئ: إما المعارضة اليمنية وإما القضاء الأمريكي!

تقول المعارضة "القاعدة ظاهرة إعلامية" ويقول فيلم وثائقي على اليوتيوب "كلا". قبل عام قام ناشطون إسلاميون بإعداد فيلم عن اليمن في التقارير التلفزيونية العالمية إثر محاولة تفجير طائرة ديترويت من النيجيري عمر الفاروق الذي افتخر الشيخ أنور العولقي في تسجيل صوتي أنه تلميذه واعترفت قاعدة اليمن، على الانترنت، أنها زودته بالمادة المتفجرة المبتكرة). حتى لو افترضنا أن العملية كذبة، وفق نظرية المؤامرة، من تدبير المخابرات الأمريكية أو البريطانية أو حتى مخابرات نيكارجوا: هل يغير هذا الافتراض العاطفي النتيجة؟ هل يعيد لليمن سمعته الطيبة كبلد عُرف على مر التاريخ أنه سعيد ومصدر البن؟ وهل تظن المعارضة أن كلامها في الصحف المحلية قادر على القيام بعملية "فورمات" تلغي، أو تعدل، صورة اليمن كحزام ناسف. شاهدوا ما قالته وسائل إعلام الكرة الأرضية، الناطقة بغير العربية، في هذا الفيلم لتعرفوا لماذا طالت الثورة ولماذا قلت إن خطاب المعارضة أضر بالثورة وخدم صالح؟ كل ما أطلبه منكم، ومن شباب الساحات خاصة، أن تكتبوا في اليوتيوب "اليمن إلى أين" وستتأكدون بأنفسكم.

تقول المعارضة "إن القاعدة مجرد فزاعة"ويقول رئيس المخابرات الباكستانية "إن أيمن الظواهري في اليمن"، ويقول نظيره الأمريكي "قاعدة اليمن هي الأخطر على مستوى العالم" ويقول نظيرهما رئيس المخابرات السعودية"اليمن كان وما زال ساحة لتنظيم القاعدة منذ إنشاء أسامة بن لادن فيه معسكرات تدريب في التسعينات. وان "نفوذ التنظيم في تزايد لأن الحكومة اليمنية لا تسيطر على المناطق الجبلية خارج العاصمة ولان أعضاء القاعدة عقدوا اتفاقيات حماية مع زعماء القبائل". والسؤال: هل أخطأ رؤساء أجهزة الاستخبارات الثلاثة وأصابت المعارضة اليمنية وحدها؟ محتمل! لكن ما الفائدة؟ هل ستصدقها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وتكذب التقارير الدبلوماسية والمخابراتية؟ أتمنى.

تقول المعارضة، كمن اكتشف علاج الإيدز، "إن صالح يبتز الإدارة الأمريكية بالقاعدة" معتقدةً أنها قدمت لأمريكا نصيحة أخ ومعلومة خطيرة لا تعرفها عنه! موقع ويكليكس يكشف كم هي واهمة. فالسفير الأمريكي نفسه قال في وثيقة مسربة: "إن صالح يستخدم القاعدة كلما ضُغط عليه لاتخاذ خطوات إصلاحية جادة وأنه حاول ابتزازهم خاصة عند شراء صواريخ أرض جو بحوزة المواطنين. إذن فالمعلومة الخطيرة التي "تفشر" بها المعارضة معلومة عادية تعرفها الإدارة الأمريكية. لماذا؟ لأن المعارضة ليست مؤسسية كصالح. وإلا لشكلت لجنة لدراسة وتحليل وثائق ويكليكس، فور نشرها، لفهم أعمق لما يدور في الغرف المغلقة والخروج بتوصيات تفصيلية بما فاتها إدراكه ولم يفتها استدراكه. لكنها معارضة عديمة اعتادت أن تتشكى فقط! والدليل أنها تتهم صالح بابتزاز أمريكا دون أن تسأل نفسها عن السبب الذي يجعل الإدارة الأمريكية -التي تعرف أن صالح يبتزها- تفضل التعامل مع الرئيس المُبتزّ عن التعامل معها!

تقول المعارضة إن علي عبدالله صالح يستغل القاعدة ويستفيد منها. ياللغباء! أمريكا ذاتها تستغل القاعدة وتستفيد منها داخلياً وخارجياً أكثر من صالح. في هذه الحالة فإن صالح في نظر الأمريكان سياسي متمرس يعرف قواعد اللعبة جيدا ومعارضيه مجموعة من السياسة الطيبين الذين لا يعرفون قواعد اللعبة ولا فن التعامل مع "عدو يجب إبقاء خطره تحت السيطرة".

تقول المعارضة "إن صالح ضلل الدول الغربية" و كم تهين ذكائي هذه الفكرة الغبية لأن معناها ببساطة أن صالح ذكي والدول الغربية غبية، وأن المخابرات الأمريكية CIA والبريطانية MI6 تتلقى معلوماتها عن القاعدة وأعضائها ونشاطها مُقرطسةً من الأجهزة اليمنية: جهاز غالب القمش الخردة (الأمن السياسي) وجهاز عمار محمد عبدالله صالح النصف مسمكر (الأمن القومي)!

تقول المعارضة، بلهجة من يعرف أين دفن أدولف هتلر، إن هروب 23 سجيناً من سجن الأمن السياسي كان مدبراً من صالح! حسناً. ما الخطوة التالية؟ لا شيء. اتهام فقط ثم صمت! وبدلاً من أن تعقد مؤتمراً صحفياً في نفس اليوم وتطالب بفتح تحقيق علني لإحراج الرئيس أمام الداخل والخارج التزمت المعارضة كعادتها الصمت وكان صالح هو من أمر بالتحقيق. لهذا السبب كتب السفير كراجيسكي في وثيقة ويكليكس 06 SANAA347 "إن صالح كان متعاوناً وشفافاً بينما كان مدير الأمن السياسي غالب القمش منهاراً ودموعه في عينيه".

تقول المعارضة وكأنها تؤذي صالح "هناك شكوك حول تسهيلات سخية قدمها صالح للقاعدة". الله على عباقرة!! أيها الأذكياء: هناك شكوك أكبر حول تسهيلات أمريكية مزعومة للقاعدة: صيف 1998م فجرت القاعدة السفارة الأمريكية في نيروبي ودار السلام. بعد أسبوعين فقط تم اعتقال السعودي محمد داود الاوحلي أحد أعضاء الخلية وقام عميلان من شرطة نيويورك والـ FBI باستجوابه . أهم ما كشفه الأوحلي، أثناء التحقيق، هو رقم هاتف في صنعاء كانت الخلية تتصل به عند حاجتها لجوازات سفر وأموال. ومع أن الهاتف خضع للمراقبة ليل نهار إلا أن أمريكا سمحت لاحقاً لصاحبه، لا ندري كيف، أن يكون أحد خاطفي طائرة بوينج صدمها، صباح 11 سبتمبر، الإماراتي مروان الشحي بالبرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي .

يزيد الشكوك ما قاله مايكل شور رئيس محطة ألك (وحدة تعقب بن لادن) للإعلامي يسري فودة. فقد التقطت CIA شتاء 99م مكالمة ترتب لاجتماع هام في شقة بكوالالمبور. وبالفعل جرت مراقبة الاجتماع الذي عقد في يناير 2000م بحضور خالد شيخ ونواف الحازمي وتوفيق بن عطاش أحد مدبري عملية المدمرة يو إس إس كول. حضر الاجتماع أيضاً إمام مسجد في شارع الرباط بصنعاء لم يسمع به الكثير من اليمنيون. إنه نفس الشخص المراقب هاتفه منذ أغسطس 1998م خالد المحضار الذي دخل أمريكا، قبل 11 أيلول بأشهر، باسمه وصورته الحقيقيين وبجواز سفر سليم ومتى؟ في يوم شديد الإجراءات الأمنية: يوم الاستقلال الأمريكي.

خطاب المعارضة اليمنية عن القاعدة، باختصار، سلبي وضار بها وبنا. إن خوف الأسرة الدولية من خطر القاعدة هو أحد أهم أسباب بقاء صالح إلى اليوم رغم هذه الثورة العظيمة التي لا مثيل لها في تاريخ اليمن. وإذا كان علي عبدالله صالح خاض الحرب على الإرهاب بوصفها "دفتر شيكات" حسب تعبير لوس انجلوس تايمز، فإن معارضيه حتى وقت قريب كانوا يقولون "لا وجود للقاعدة في اليمن". وفي هذه الحالة ماذا تتوقعون من الإدارة الأمريكية؟ أن تتعاون مع صالح الانتهازي الذي يخدمها، على الأقل، أم تتعاون مع معارضة يتناقض فهمها وخطابها كلياً مع "عقيدة" أمريكا الجديدة؟ وما دامت النخب السياسية قليلة احترام لليمن ومواطنيه فهل تتوقعون أن تعتذر أمريكا لأبرياء المعجلة أو لطفل كالوردة هو عبد الرحمن أنور العولقي؟

تعرفون الإجابة.