مخاطر تراجع أمريكا عن قرارها ضد الحوثيين
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 3 سنوات و 10 أشهر
الجمعة 22 يناير-كانون الثاني 2021 06:34 م
  

قلت في مقالة الأسبوع الماضي بموقع مأرب برس إن ق يادات ما يسمى أنصار الله(الحوثيين) كانقلابيين يرفضون الحوار المسؤول مع طرف الشرعية ويصرحون برغبتهم في الكولسة مع السعودية .. أي يسعون إلى صفقة(مساومة) تمنحهم السيطرة المطلقة على الحكم ومستقبل البلاد بدعم الأشقاء.

واضح مدى ابتزاز الحوثيين لمخاوف المملكة من هجماتهم الإرهابية على المنشآت الحيوية واعتقاد أن الرياض سوف ترضخ مع توالي الضربات في النهاية للأعتراف بهم كبديل أو باعتبارهم الطرف الرئيسي الذي يتحكم بمستقبل خارطة السلطة والسياسة والثروة في اليمن.

وكل ما حدث أن السعوديين ضاعفوا هجمات الطيران الحربي أكثر من قبل بعد كل حماقة مجنونة لمقذوفات الحوثيين هنا وهناك .. بما فيها تفجيرات السفن التجارية الأخيرة قرب ميناء جدة واستهدافات أرصفة ومناطق مأهولة بالمدنيين داخل المملكة.

وما بعد نفاذ قرار تصنيف مسمى أنصار الله((منظمة إرهابية أجنبية)) .. سيأخذ الرد الأمريكي طويل المدى مساره القانوني الإجرائي المتدرج لحماية ممرات ومنافذ الملاحة والتجارة الدولية بعد أن اعتقد الحوثيون بعجز واشنطن عن التحرك والرد على هجمات أرامكو والبقيق وغيرها من سفن تجارية وحربية في باب المندب والبحر الأحمر .. وربما الناقلة البريطانية مؤخراً في المهرة.. لأن كل ذلك يشير إلى تورط أصابع إيران التي عززتها مؤخراً بإدارة الملف العسكري والسياسي عبر سفيرها الحاكم حسن ايرلو , فيما لم تستفز الأمريكان كل حماقات أولياء الله السابقة قبل مجيء شؤم إيران !!.

واستباق قرار التصنيف الأخير صدور لائحة أولية بأدراج أيرلو و ٥ قيادات حوثية في قائمة العقوبات دليل عزم على ما سوف يحدث لاحقاً وليست مجرد حركات ترامبية كما يُهَوِّن المذعورون في البدرومات والمغارات, فبالضرورة تحييد أدوات أيران في جبال مران وحيدان من الأصطفاف معها في أي تداعيات عسكرية مؤشراتها في الخليج العربي وشرارتها قد تكون من باب المندب.

لن تتوقف العملية السياسية المنعدمة أصلاً بين أطراف الصراع اليمني((السلطة الشرعية والانقلابيين)) بعد قرار وزارة المالية وأجهزة الأمن الأمريكية بتصنيف البغاة الحوثيين كأِرهابيين.. وعلى العكس ستكون خيارات المراوغة ونفش الريش محدودة, فأما حوار حقيقي يفضي إلى سلام وتسوية عادلة شاملة تحقن ما تبقى لليمنيين أو تغليب عائلة بدر الدين الحوثي لمصالح إيران على حساب اليمن التي يزعمون أنهم من ترابها وناسها.

* الشطحات إلى أين *

سلوك قيادات الحوثيين القادم إذن هو الذي سوف يحدد سقف العقوبات الاقتصادية (والعسكرية) ضدهم إذا لزم الأمر وليس القرار الأمريكي المتدرج باعتباره الغطاء فقط ربما للأفظع لا سمح الله!!.

وأهمية قرار التصنيف بالنسبة لسلطة الشرعية اليمنية أنه قد عزل قيادات الحوثيين الاستئصالية المغامرة عن باقي قيادات مكونات أجنحة وتيارات أنصار الله الطائفية والحزبية والقبلية الحليفة لتمكين البدائل السياسية الممكنة عند هؤلاء من التحرك إزاء مخرج سلمي متوازن يتمرد على حرب عبثية ظالمة على اليمنيين ارادت طهران تأبيدها لتمكين أدواتها المحلية الموثوق بها من الهيمنة.!!.

* استهداف الرؤوس لماذا*

 

اختصر القرار عقوبات الأفراد في ٣ شخصيات قيادية خطيرة تمثل مثلث برمودا بالنسبة لعقيدة خيار قرار الحرب المجنونة المفتوحة .. وكلها ذات نفوذ وسلطة متغلغلة تؤمن مطلقاً بأيديولوجيا(الحق الإلهي العنصري في الحكم) وما دون ذلك الموت حتى آخر قطرة دم ومواطن يمني.

ما يدل على أن القرار لم يكن تشعيبة ترامبية في الأسبوع الأخير من رئاسته بل نتاج تراكمات وفحص وتحليل طويل لأجهزة ومؤسسات الأمن القومي الأمريكي .. فقط أراد ترامب أن ينهي فترته برسالة ولاء مطلق لبلاده وحمايتها حتى آخر لحظة.

ويمثل عبدالملك الحوثي الرمزية العقائدية الدينية الكبرى والدينامو الروحي المحرك لآلاف الشباب الذين قَضَوا كضحايا ولائهم لفكر خرافة حق آل بيت بدر الدين بالحكم .. وآخرون في الطريق إلى الحتف.. ومنهم من مات ونغمة هاتفه تصدح بتمجيد(سيدي يا حفيد رسول الله).

وكان المعروف عن عبدالملك منذ حروب صعدة ٢٠٠٤ م إلى ٢٠١٠ م أنه بعد مصرع أخيه حسين قاد برعاية من أبيه كل المعارك ضد السلطة بمعاونة الشيخ عبدالله عيضة الرزامي والشيخ صالح عبدالله هبرة وآخرين.

أما الآن فقد اجتمعت لعبدالملك مقاليد الزعامة الدينية والولاء والطاعة العنصرية العمياء كوريث كرسي والده مع مقومات خبرة القيادة العسكرية..((والأخطر منها مركزة قرارات الحرب والنهب بيده وعائلته وتهديد حلفائه أيضأ )) !!.

أما عبدالخالق بدر الدين الحوثي أخو عبدالملك فهو قائد العمليات المركزية حالياً في جيش الانقلابيين ويدير أيضاً ألوية الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الموروثة وقطاع كبير من المليشيات, ومشرف مباشر عن الأمن القومي وجهاز حماية قائد المسيرة القرانية .!!

وأدار عبدالخالق المعارك الحاسمة الاخيرة في صعدة وعمران ضد السلطة قبل إسقاط الرئيس صالح, وقاد المعارك ضد سلفيي دماج والجيش وبيت الأحمر في عمران ودخول صنعاء مع محمد علي الحوثي في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ م الذي لمح في آخر تغريدة له بتهديد مبطن للملاحة في باب المندب بفرض رسوم على السفن التجارية في الممر الدولي بزعم تعويض الحصار المالي!!.

أبو علي عبدالله الحاكم قائد الاستخبارات العسكرية ذراع عسكري باطش قاد الكثير من معارك صعدة,دماج, عمران سابقاً, وإسقاط مناطق للشرعية في تعز, الجوف, مأرب, البيضاء,حجة.. وأدار مع اللواء صالح مسفر الشاعري معركة حصار وتصفية الرئيس السابق علي عبدالله صالح ٢-٤ ديسمبر ٢٠١٧.م..

وقبل ذلك زرع الجواسيس حوله وأجهزة التنصت والمراقبة في مكان إقامته بدار الثنية(حدة) واستولوا لاحقاً على الأموال المكنوزة واطنان سبائك الذهب في مخابئ الزعيم بعد تلقي أوامر قاسم سليماني من بغداد بأعدامه.

والأخير صالح الشاعري حالياً مدير شبكة أموال بنوك وشركات نفط وبواخر وتجارة عامة واستيراد ومؤسسات تجار ومعارضين استولوا عليها وإيرادات موانئ ونفط الدولة وعائدات تريليونية وغيرها اغتصبها الحوثيون.. ومعظم أموالها في الخارج تغسل بأسماء شركاء صوريين في الواجهة.

* تحرير قيادات الأنصار *

وفيما يظل الخيار السياسي أكثر مواءمة للخروج من نفق الاحتراب بعد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية .. يتيح ذلك لقيادات مكونات أنصار الله الشريكة الأخرى أوراق ضغط كثيرة لتجاوز حالة همسها الخافت الرافضة للحرب أو لتفرد عائلة بدر الدين بصياغة ورسم مشهد التشظي الوطني بانزلاق أخلاقي أكثر ..

وبصرف النظر عن ملابسات واقعة تصفية أمين عام حزب الحق ((حسن زيد)) تزامناً مع تسلم السفير حسن ايرلو لإدارة الملف العسكري والأمني الإيراني في صنعاء يتوقع أن يستمع العالم إلى أطراف رئيسية أخرى بديلة من الأنصار تدفع عن نفسها تهمة التواطؤ اللانهائي والتماهي مع الراديكاليين في مشروع هيمنتهم على الحكم والاستبداد الاجتماعي وتجذير خيار الدمار الشامل بمذابح وجرائم ضد الإنسانية وتجريف الهوية بديلاً عن الحياة الكريمة والآمنة.

أما إيران فستبقى في مأمن من الضربات الحقيقية وقد وجدت ضالتها في حفنة مراهقين اتخذت منهم مناديل ورقية لتنظيف جرائمها وقت الحاجة كما حصل عندما تبنى الحوثيون عملية البقيق التي نفذتها خلايا قاسم سليماني من العراق حيث لقي مصرعه هناك.

والواجب على سلطة الدولة الشرعية في اليمن بعد سريان قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية وبدئ مؤشر العقوبات المالية على البنوك الدولية المتعاملة معهم ان تعرض الحوار أولًا مع مكونات ورموز قيادية أخرى في مسمى أنصار الله, ليكون ذلك دليلاً أما على جدوى السلام معهم أو بعضهم أو أستدعاء أدوات وخيارات أخرى مشروعة دولياً تخلي طرف الشرعية من التنصل ونكث الآخرين.

ولعل بعض هذا ما كان يعنيه بعض المعترضين هنا وهناك على قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.. فلم تكن إدانة منهم للقرار بل وصمة عار على جبين الحوثيين وخشيتهم من تأثير ردود أفعال العصابة المجنونة وسلوكها الأرعن ضد ملايين المدنيين في حكم الرهائن المختطين بقوة البطش والإكراه والإذلال, بما في ذلك حشرهم الآن عنوة في تظاهرات التأييد والتحشيد الشعبي الزائف التي يجبر فيها الطلاب خشية عقوبة الرسوب والطرد, والموظفون خوفاً من العزل والجنود كذلك وسواهم, تحت التهديدات على الصراخ بحياة السيد والمسيرات المدافعة عن الإرهابيين .

ولا يزال قادة الحوثة يعتبرون تعاطف الآخرين هنا وهناك مع معاناة الناس في اليمن حجة على القرار والأمريكان وليس وصمة في جبينهم إلى يوم الدين.

أما قمة الإنسانية والنزاهة والأخلاق الحميدة فلا تقف عند نهبهم نصف رواتب الموظفين أو المبالغ النقدية الأخرى المحولة من مناطق الشرعية إلى مناطق سيطرة الإرهابيين باسم رسوم تحويلات.

والأروع في أخلاقيات العصابات الإرهابية المتباكية من ظلم الأمريكان أصرارها على بقاء صنعاء مركز تصدير تجاري داخلي لباقي المناطق اليمنية ونهب أموال الناس باسم فارق السعر الوهمي بين طبعة الريال القديمة والجديدة واستغلال سطوتها على مركز التجارة إلى باقي المناطق.. وهذه لفتة إنسانية كريمة كأنها لم تكن بنظر من يطلبون الرحمة والمغفرة والشفاعة للمجرمبن.. ولا تتحرك في أنفسهم النخوة ذاتها ازاء جرائمهم المعيشية اليومية المهلكة للناس بمن فيهم المتقاعدون في مناطق سيطرتهم بعد نهب ٣ تريليون ريال من حساب مؤسسة التأمينات وتعليق المعاشات التقاعدية.

* خيارات ومكابرة*

تفاوتت ردود أفعال قيادات الحوثيين المعلنة من قرار تصنيفهم المستحق كمنظمة إرهابية بين من يعلن تصعيد الرفض إلى الخطوط الحمراء لعرقلة الملاحة البحرية(محمد علي الحوثي) ومضاعفة إنتاج الصواريخ والمسيرات لضرب أهداف شاملة داخل المملكة(قيادات عسكرية).. وبين من يدعو إلى التريث لدراسة الرد في وقته والتكيف مع القرار وتحديه.. وكلها إصرارات على إطالة أمد الحرب تربط أوضاع اليمن والتسوية السياسية فيها بمصير صراع إيران مع القوى الكبرى, بينما طهران من يستعمل هذه الأدوات لألحاق الأذى بالآخرين ومحاولة فك العزلة الاقتصادية والسياسية الخانقة عن نظام الولي الفقيه!!.

ولا تظهر في خطابهم الإعلامي أدنى بوادر اعتدال تشي بجنوح نسبي نحو السلام أو حتى مهادنة.!!.

* وما هم بسكارى*

وفيما تتظاهر زعامتهم بالتماسك والاستعصاء وأخفاء الترنحات لم تتأكد حتى الآن مؤشرات وجود بوادر نقاشات مغلقة مع السعوديين أو غيرهم بما فيهم العمانيون الذين أمهلوا ممثليهم هناك عدة ساعات لمغادرة مسقط بعد سريان قرار التصنيف العادل.

وإذا ما بدرت من صبيان جبل مران الحوثة قريباً تململات أو رسائل خاصة مبهمة إقليمية أو دولية للآخرين هنا أو هناك فليست أكثر من مراوغات تمثيلية درامية لتخفيف وطأة الإجراءات المالية الخانقة على البنوك وتجارة واستثمارات وأموال الحوثيين الضخمة التي سطوا عليها في زمن قياسي من المال الحرام.

ولا توجد من كارثة على اليمن أكثر من عقلية ومسلكية الحوثيين التي تفرض الآن خروج تظاهرات على ملايين من ضحاياها في مؤسسات التعليم والوظيفة والعامة والجيش وزعماء القبائل والمشرفين وخطباء الجوامع وعقال الحارات وضعفاء النفوس لحشد وتجييش الناس والاستعراض بهم بالإكراه بزعم رفض قرار تصنيفهم ك((منظمة إرهابية)) في حين ان الموظفين الذين صادروا مرتباتهم منذ ٣ سنوات لصالح صناعة الصواريخ وأسلحة الدمار ولا غيرهم يستطيعون الاحتجاج أو التظاهر السلمي بالشارات البيضاء للمطالبة بمرتباتهم التي نهبها الحوثيون من حساب ميناء الحديدة مؤخرا بمئات المليارات, بل شهد العالم كله كيف جرى إطلاق النار الحي على تجمعات نسائية سلمية طالبت بتحرير جثة الرئيس السابق علي عبدالله صالح وكيف جند الحوثيون جناح (الزينيبيات) الأنثوي وغيره لقمع النسوة بالهراوات والرصاص الحي .. ولا يزال بعضهن مخفيات في سجون سرية.. ولا كيف يتم قمع وقتل المعترضين على نهب أموالهم وأراضيهم من قبل مليشيات الموت كما حدث مؤخراً في ذمار, والحيمة(تعز) لفرض لائحة نهب (خمس آل البيت).

ثم نصدق أن هؤلاء الجوعى الرهائن المستضعفين في قبضة المليشيات خرجوا للتضامن مع جلاديهم بمحض إرادتهم وولائهم لفراعنة المسيرة الشيطانية.

فلماذا تم قمع فعاليات ومناسبات أنصار الرئيس السابق وغيرها أو تجمهر الموظفين المطالبة بالرواتب.. وحتى قاعات عزاء وافراح قيادات ودواوين مقيل المعارضين للحوثيين مراقبة, وتتعرض للأنتهاكات كما حدث في آخر فيديو عبثي مصور لاقتحام قاعة عرس زواج مكتظة بالمدعوين.

*

سوف يقول عبدالملك الحوثي وزبانيته للعالم من خلال تظاهرة تحدي القرار الأمريكي القادمة أيضاً أننا في أقصى جهوزية فوضوية أكبر نحو هاوية الجنون والاستخفاف باليمنيين وتهديد مصالح الآخرين ولا تراجع أو مراجعة وجنوح للسلام.

والأهم من ذلك كل ذلك أن تستوعب عصابة بدر الدين الحوثي العائلية العنصرية أن مفاتيح اللعبة بعد قرار تصنيفهم كأِرهابيين مطلوبين خرجت من أيدي السعوديين الذين كانوا يراهنون عليهم إلى أيدي المجتمع الدولي.

وأن أي تعديلات للرئيس جو بايدن على قرار تصنيفهم كتنظيم إرهابي لن يغير من الإجراءات بل قد يخلط الأوراق الاقتصادية والعسكرية التي يعرفونها ضدهم أكثر.

ومع بقاء القرار أو بدونه أيضاً فإن عدم الرضوخ العقلاني لانتقال اليمن من حالة عبث الحرب إلى معادلة السلام سوف يجني عليهم أكثر.. وسيتخذ إلغاء قرار تصنيفهم كأرهابيين إذا حدث حجة عليهم إذا لم يذعنوا بنية خالصة لما بعدها في مسار تسوية السلام المتوازنة.

وفرق كبير أن يتحاشى العقلاء الصدام مع شرذمة من باب قاعدة (داروا السفهاء بنصف أموالكم) وبين أن عصابة جرف سلمان وجبل حيدان صدقوا أنهم قوة إقليمية حقيقة يحسب لشوكتها.

ولله عاقبة الأمور