رحيل الرئيس والمستقبل الجديد في اليمن السعيد
بقلم/ خالد الجابر
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 13 إبريل-نيسان 2011 06:03 م

الأمر الأكثر غرابة في المشهد اليمني هو الضحايا الأطفال الذين يتقدمون الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف المناطق في اليمن، فهؤلاء الأبرياء يتم استخدامهم من قبل الأطراف من الجانبين الحكومي والمعارض على حد سواء كدروع مع قوات الأمن أو بين المتظاهرين المؤيدين والمعارضين للنظام، بهدف كسب تعاطف المجتمع المحلي والخارجي، مما يعد محاولة رخيصة واستخدام بشع للطفولة البريئة وهو عبث أشارات له منظمة يونيسيف التابعة للأمم المتحدة، التي ذكرت أن ما يتجاوز 73 طفلا يمنيا قتلوا خلال الأحداث الجارية هناك، والهدف من ذلك كما يؤمن هؤلاء أن استغلال الأطفال كدروع بشرية (تتراوح أعمارهم بين 12 - 18 عاماً في صفوف تلك المواجهات) أفضل وسيلة لجذب مناصرين، وأسهل في الإقناع، وأصعب عند المواجهة، سواء لرجال الأمن، أو لمتظاهرين من الطرف الآخر؟!

صحيفة "واشنطن بوست" أشارات إلى برقيات مسربة أرسلت عامي 2009 و2010 من اليمن بأنه بلد على وشك أن يصبح دولة فاشلة حتى قبل التظاهرات الأخيرة، وأن رئيسها يستغل تهديد القاعدة للحصول على مساعدة خارجية لمكافحة الإرهاب يستخدمها أحياناً ضد أعدائه الداخليين وأن القاعدة تزدهر فيه، خصوصاً في المناطق القبلية.

كما ذكر موقع (ويكيليكس) أن الرئيس اليمني علي عبد الله يصبح أكثر عزلة يوماً بعد يوم وأقل استماعاً للنصائح التي تسديها له بعض الشخصيات العملية والتقدمية في الحكومة اليمنية. إن الرئيس صالح مهتم فقط بإثراء عائلته، وهو لا يستمع إلا إلى نفسه ويتمتع بثقة غير واقعية بأنه يتخذ القرار الصائب على الدوام.

بعد العمر الطويل من الاستئثار بالحكم والقرار وقمع الحريات وانعدام الديمقراطية والمشاركة السياسية والمساواة وتحجيم المجتمع المدني، أصبح غالبية الشعب اليمني يعيش تحت خط الفقر، وعالمياً احتل اليمن المرتبة الأولى في نسبة فقر الدخل، حيث بلغت النسبة 59.95 % من إجمالي السكان، بينما بلغت نسبة الفقر البشري 36.6 % على مستوى الدول العربية وكان ترتيبه (82) في مؤشر الفقر العالمي، ويبلغ عدد الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم ما يقارب 80 %، ويعدّ اليمن الأول من بين البلاد العربية في انتشار الجوع على مستوى الوطن العربي، حيث يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009م. كما يعد من أكثر البلدان العربية في انتشار نقص التغذية بين الأطفال على مستوى الوطن العربي، حيث يشير تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام 2009، إلى أن نسبة انتشار الجوع ونقص التغذية بين أطفال اليمن من أكثر النسب بين أطفال العرب، بالإضافة إلى البطالة في أوساط الشباب، وتقدر بحوالي أكثر من 40 %. تقرير مجلة "الإيكونوميست" البريطانية الأخير توقع أن اليمن هو المرشح الأول لكي يسقط نظام الحكم فيه عقب تونس ومصر، ومن ثم تليه ليبيا والجزائر، وذلك استناداً إلى أرقام وتصنيفات تلك الدول من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.. وترتيبه عالميا في مجال الفساد والديمقراطية وحرية الصحافة ومؤشر عدم الاستقرار ونسبة الشباب من إجمالي عدد السكان، في مؤشر عدم الاستقرار، جاء اليمن في الترتيب الأول بقرب التقييم 100 الذي يمثل عدم الاستقرار المطلق، حيث بلغت 86.6، ثم ليبيا في الترتيب الثاني عند 71، ثم مصر، والجزائر وتونس، ثم المغرب والأردن والبحرين. وحول الترتيب العالمي في مجال الفساد، فتأتي ليبيا في المقدمة متربعة على الترتيب الـ 158 من إجمالي 167، يليها اليمن، ثم تونس، ومصر، وبعد ذلك البحرين في الترتيب 137، والجزائر 125، والأردن، والمغرب 116. وفي ما يتعلق بمتوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالي للدولة على أساس تعادل القوة الشرائية، فيأتي اليمن في قاع الترتيب ببلوغ نصيب الفرد 2900 دولار، تليه المغرب بـ 4700 دولار، والأردن ثم مصر، والجزائر،وتونس، وليبيا، وأخيراً البحرين.

التحرك الخليجي وان كان متأخرا فقد جاء جريئاً وواضحاً ولأول مرة، في دعوة رئيس عربي إلى التنحي ونقل صلاحياته إلى نائبه والسماح بتشكيل حكومة من المعارضة تتكفل بإعداد دستور وتنظيم انتخابات. المواقف الحازمة مطلوبة في هذا المرحلة ويجب أن تشكل نوعا من الضغط لصالح الخيار الشعبي اليمني ولا تهتم في التركيز على إنقاذ النظام ورموزه من خلال تغيب أشخاص وإبراز آخرين من نفس المنظومة الحاكمة، لقد عرف عن النظام مراوغته ولعبه على التناقضات وانقلابه على رفاقه والتضحية بهم واحداً بعد الآخر ليستمر في السلطة، وهو لم يلتفت إلى الإصلاحات والتغييرات المشروعة التي تمت المطالبة بها من قبل الملايين من شعبه، الذي ينام اليوم في شوارع المدن اليمنية مطالبا برحيله بعد أن تم خنقه بلا رحمة لعقود طويلة، إن اللعبة انتهت في بزوغ الثورة الأخيرة وانكشفت جميع الأوراق ( The Game is Over baby ). من ابرز المواقف الشائنة للرئيس هو انقلابه على حلفائه بعد أن يحصل على ما يريد منهم في الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية وآخرها قطر التي اتهمها بأنها تعمل على تنحيته عن السلطة وهي التي وقفت معه وساندنه في الكثير من الأحداث والأزمات التي تعرض لها خلال السنوات الماضية، حين كانت اغلب الدول الخليجية والعربية الأخرى تقف في موقف الفرجة. كان الدعم السياسي في حرب الشمال والجنوب والمساعدات الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية مع المعارضة الحوثية والإعلامية، بلا حدود ولم تتوقف أو تعتذر يوما عن تلبية الرغبة في تحقيق الاستقرار والسلام في اليمن إلا أن كل ذلك ذهب مع الريح في سبيل شهوة المنصب، البقاء على كرسي الحكم ولو تم حرق كل الجميع بلا استثناء في الداخل والخارج؟!

التحايل والتذاكي والفهلوة السياسية والمواقف المتقلبة والقبول بمبادرات ثم رفضها بعد أيام لم تعد تجدي وهي تزيد من سكب الزيت على النار المشتعلة التي ستكون بوادر الدخول في الحرب الأهلية بين القبائل، وأشبه بمحرقة جماعية للبلاد والشعب بطلها السيد الرئيس؟! ما يحصل في اليمن اليوم ليس شأنا خاصا داخليا فقط بلا هو خليجي عربي أيضا، فاليمن جزء منا ومصيره مرتبط بمصيرنا وهو عمقنا الاستراتيجي الجنوبي وهو جزء من تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، والأحداث والصراعات التي تجري فوق أرضه تصل تداعياتها إلى شوارعنا وتعصف بأمن واستقرار منطقتنا، لذا من الواجب الوقوف مع اليمن في هذه الأوقات الحرجة بكل قواتنا وندعم بلا تحفظ رغبات الشعب اليمني الذي جل مطالباته اليوم رحيل النظام وبناء مستقبل جديد في اليمن السعيد (الحزين حاليا).

*الشرق القطرية